رأينا جميعا حالة الاتحاد الواضح في صفوف شباب الصحفيين، وتوحدهم ووقوفهم خلف الدفاع عن حرية الصحافة، عقب قيام وزارة الداخلية باقتحام مقر نقابة الصحفيين قبل أسبوع واعتقال الزميلين عمرو بدر رئيس تحرير بوابة يناير ومحمود السقا الصحفي بالبوابة.
الأمر لم يكن غريبا مطلقا عن المشهد العام لثورة 25 يناير، فكما كان الشباب هم المحرك الرئيس والمدافع الوحيد عن ثورة يناير، كان شباب الصحفيين -وأغلبهم من غير النقابيين- هم اكثر المدافعين عن حرمة النقابة.
وكما كانت مواجهة الشباب الأصعب في الدفاع عن الثورة هي تلك التي مع جيل العواجيز، كانت ايضا مواجهة شباب الصحفيين الأصعب في الدفاع عن حرية الصحافة مع اولئك الذين أطلقوا على أنفسهم زورا وبهتانا ألقاب من عينة شيوخ الصحافة.
مكرم محمد أحمد، وصلاح منتصر، هما أبسط وأوضح مثالين يمكن أن نتحدث عنهما في سياق كشف زيف وخداع ألقاب هؤلاء، لكن قبل أن نشرع في ذلك نحب ان نضع مجموعة من النقاط فوق الحروف:
1/ كل الذين صنعوا من انفسهم أصناما في الصحافة واحتكروا ألقاب من عينة شيوخ المهنة، لم يثبت يوما أنهم عارضوا المخلوع مبارك، بل كانوا جزء أصيل من الصحافة التي تسير وفق ما هو مرسوم لها من قبل أجهزة امن المخلوع مبارك، والتاريخ والأرشيف شاهد على ان مكرم محمد احمد او صلاح منتصر كانا من كتاب مبارك المخلصين، تماما كما هو حال أمثال الكرودسي وبكري وموسى مع عبدالفتاح السيسي.
2/ إذا رجعنا بالذاكرة للخلف، وبالتحديد وقت اندلاع ثورة 25 يناير في عام 2011، وطالعنا ما كتبه من أطلقوا على أنفسهم مثقفين ونخبويين، ستجد انهم كانوا يسيرون في فلك إعلام مبارك الكافر بالثورة المخون لشبابها.
3/ لم يحدث مطلقا ان سمعنا مثلا انه تم منع مكرم محمد أحمد أو صلاح منتصر من الكتابة لموقف سياسي، او لأن مقالاتهم مثلت إزعاجا للسلطة، بل على العكس كانوا خداما للسلطة عبيدا لها.
4/ على مدار 30 عاما هي فترة حكم المخلوع مبارك كنز الصهاينة الاستراتيجي، كان مكرم محمد احمد من وصلاح منتصر وغيرهما من المباركين للتطبيع مع العدو الصهيوني، المعادين لأهل غزة والمقاومة، ولا عجب ان يتخذوا هذا الموقف لكونهم جزء لا يتجزأ من دولة مبارك عميل الصهاينة.
5/ في يناير 1986، زار رئيس تحرير إحدى المجلات المصرية، البطل سليمان خاطر في زنزانته، كان يجري معه حوارًا بأسئلة تتعمد استفزازه لإظهاره غاضبًا في الصور، مثل هل يسمح الإسلام بقتل الأطفال، رغم أن الإسرائيليين الذين قتلهم الجندي سليمان خاطر لدخولهم الحدود المصرية ودخول منطقة عسكرية محظورة، لم يكن من بينهم أطفال!.
كان الصحفي يستهدف إظهار سليمان خاطر غاضبًا على صفحات مجلته، من خلال صور تعبر عن غضب سليمان من الأسئلة الموجهة له، وهي الصور التي عرضها الصحفي على طبيب نفسي، ليقول إن سليمان أقرب للجنون، وتصدر المجلة في اليوم التالي لاستشهاد خاطر، وتتبنى حملة لترويج أن سليمان خاطر مات منتحرا وهو الذي شنق نفسه بنفسه.
ملحوظة: الصحفي بطل القصة هو الأستاذ مكرم محمد أحمد
إذن، هؤلاء الذين منحوا انفسهم ألقابا وتفاخروا بها، هم في الأصل مجموعة من حملة المباخر لنظام المخلوع مبارك، ومن المعادين لثورة يناير وهي في مهدها، لذلك من الطبيعي جدا ان يكونوا في موقف عدائي من الثورة وشبابها، ومن المتوقع أن يتخذوا نفس صف الثورة المضادة، ليصفطوا جنبا إلى جنب مع أحمد موسى والكرودسي وبكري والسيسي نفسه.
بعد فضيحة اقتحام نقابة الصحفيين، لم يعول شباب الصحفيين خيرا على شروخ الصحافة لا شيوخها، من أمثال صلاح منتصر او مكرم محمد احمد، فمن خذل بلدا باكمله وشوه ثورة بكافة أحداثها، لا نستغرب عليه ان ينقلب على النقابة والمهنة التي يزعم انه أحد شيوخها.
نفس الجمل البالية رددها كلا الكهلين مكرم وصلاح، في مجمل تعليقهما على جريمة اقتحام النقابة واعتقال الزميلين، حيث حملا الزميلين ومجلس النقابة المسئولية، ولم يكن لأي منهما ذرة من عقل أو ضمير ليصدح برفض تلفيق الاتهامات التي اعتاد عليها نظام كبيرهم، ورددوا كالببغاوات كلام الأمنجية امثال أحمد موسى بأن عمرو بدر ومحمود السقا كانا مطلوبين امنيا على ذمة قضايا، رغم علمهما التام ان القضايا واهية واهنة، لكنهم أناس لا يتفكرون.
الملفت في احاديث الكهلين، أنهما رددا نفس الكلام، في لافتة واضحة وصريحة تؤكد أن منبع كلامهما واحد، وسواء كان منبع تصريحاتهما هو عباس كامل مدير مكتب السيسي الذي يدير شبكة من الأذرع الإعلامية، او كان منبع كلامهما الطريقة التي نشئوا عليها باتخاذ خط الدولة مهما كان ظالما وترديد حججها مهما كانت فاجرة.
احاديث الكهلين لم تكون مفاجئة لأحد، ولم تكن صادمة لأي عاقل، لكنها أعادت إلى الإذهان حقيقة مؤكدة، هي ان الثورة كما فشلت في الوصول إلى مواقع كثيرة، فإنها يجب ان تركز مستقبلا على مهنة الصحافة، وأن من أهم وأفضل مكتسبات الثورة حالة الوعي التي جبل عليها شباب الثورة، ورفضهم تقديس أصنام ما أنزل الله بها من سلطان.
نقلا عن : زقاق النت