عبدالرحمن كمال
تابع العالم أجمع مجريات ونتائج سابع استفتاء شعبي في تاريخ تركيا يوم الأحد 16 أبريل، والذي انتهى بانتصار "نعم" لصالح التعديلات الدستورية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، لتتحول تركيا إلى دولة رئاسية وتودع النظام البرلماني.
وطبقا لأرقام قدمها رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن، فإن نسبة المشاركة في الاستفتاء التركي بلغت 86% تقريبا من مجموع 55.3 مليون ناخب يحق لهم التصويت في أكثر من 167 ألف مكتب اقتراع في كافة المحافظات الـ 81.
وصوّت في الاقتراع 24 مليونا و763 ألف ناخب بـ "نعم" مقابل 23 مليونا و511 ألفا صوتوا بـ "لا".
أبرز التعديلات الدستورية
وبموجب التعديلات الدستورية التي وافق عليها اغلبية الشعب التركي بفارق ضئيل، يكون الرئيس قد عزز سلطاته التنفيذية ليتمكن من تعيين كبار المسؤولين في القطاع العام بشكل مباشر بما يشمل الوزراء.
وتنص التعديلات الدستورية أيضا على إلغاء منصب رئيس الوزراء. وتقضي المادة 18 بـ"إلغاء القانون الذي يقضي بقطع صلة رئيس الجمهورية المنتخب بالحزب السياسي الذي ينتمي إليه".
وتنص المادة الرابعة من مقترح التعديل الدستوري المعدل، على أن تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا مرة كل خمس سنوات، على خلاف ما كانت عليها سابقا، إذ كان الشعب التركي يتوجه إلى صناديق الاقتراع كل أربع سنوات لاختيار ممثليهم في البرلمان. وتتضمن المادة الجديدة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اليوم نفسه، ويحق للنائب الترشح لأكثر من مرة. وسيتمكن الرئيس والبرلمان معا من اختيار أربعة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين، المجلس القضائي المهم الذي يعين ويقيل شخصيات في النظام القضائي.
ونصت المادة 17 على "تحديد الثالث من نوفمبر 2019 موعدًا للانتخابات البرلمانية والرئاسية". وسيشغل الرئيس ولاية من خمس سنوات مع ولايتين كحد أقصى.
وستفرض حالة الطوارئ فقط في حال حصول "انتفاضة ضد الوطن" أو "أعمال عنيفة تعرض الأمة لخطر الانقسام". وسيعود قرار فرض حالة طوارئ للرئيس ثم عرضه على البرلمان.
نتيجة واحدة.. ربما
إن النتيجة الأهم التي يجب أن يعيها أردوغان وحزبه جيدا عقب الاستفتاء، هي أن حوالي نصف الشعب التركي لا يرفض تعديلات الدستور فقط، ولكنه يتخوف من تحول أردوغان إلى ديكتاتور أيضا، فالاستفتاء لم يكن على التعديلات الدستورية بقدر ما كان على أردوغان نفسه.
النقطة الأهم التي يتحتم على أردوغان أن يعيها هي كيفية التعامل مع هذه الرسالة، فالاستفتاء الذي يتفاخر به أردوغان ومحبيه ومريديه في المنطقة بأسرها وليس في تركيا فقط، ربما يكون لغما فجره أردوغان وقد يرتد عليه لاحقا.. رصاصة قد ترتد إلى الخلف.. كيف؟
أرقام ودلالات
بتتبع بسيط لنتائج الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في تركيا مؤخرا، سنجد أنه:
- في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أغسطس 2014، حصل أردوغان على 51.79 % من إجمالي عدد الناخبين المسجلين (أكثر من 55 مليون ناخب تركي صوت منهم 40.94 مليون ناخب في نسبة مشاركة أقل بكثير من الاستحقاقات الانتخابية خلال السنوات الأخيرة).
- في الانتخابات التشريعية التركية التي جرت في يونيو 2015، حصل حزب العدالة والتنمية (حزب أردوغان) على 40.87% من نسبة التصويت، وهي النسبة التي لم تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، ما أدى إلى إعادة الانتخابات مرة أخرى في نوفمبر 2015 ليحصل الحزب على 49.48%.
- إسطنبول وأنقرة وإزمير، المدن الثلاث الأكبر في تركيا والتي تمثل حوالي 30% من كتلتها التصويتية، لم تصوت لصالح التعديلات الدستورية الأخيرة، واختارت الوقوف في وجه أحلام أردوغان (اسطنبول: 51.35%، أنقرة: 51.15%، إزمير: 68.80%)، رغم أن اسطنبول وأنقرة كانتا من ضمن أماكن قوته الانتخابية، ففي الانتخابات الرئاسية 2014، حصل أردوغان على 49.85 % من أصوات اسطنبول مقابل 48.65 % في الاستفتاء الأخير، كما حصل على 51.32% من أصوات أنقرة مقابل 48.85 %، وحتى إزمير التي لا تفضل أردوغان كثيرا، منحته 33.35% من أصواتها في 2014 مقابل 31.20 % في الاستفتاء.
إذن، نسبة رافضي أردوغان وتعديلاته الدستورية كبيرة ولا يستهان بها، لاسيما أن أكبر 3 مدن من حيث كتلة التصويت رفضتها.
رصاصة للخلف
بموجب التعديلات التي وافقت عليها الأغلبية، فإن الشعب سيختار الرئيس والبرلمان في انتخابات واحدة، في نوفمبر 2019، أي بعد أقل من عامين ونصف العام من الآن، ولهذا نقول أن أردوغان ربما فجّر لغما في نفسه!!
خلال هذه المدة، أردوغان مطالب ألا يخسر أحدا من الكتلة المؤيدة له، بالعكس، الرئيس التركي مطالب بأن يستقطب من الكتلة المعارضة له التي تزداد بشكل واضح، حيث ترتفع رقعة أعداء أردوغان وتتسع قائمة الأحلاف الذين يتخلى عنهم أردوغان أو يتخلون عنه، بداية من الأكراد وحتى جماعة فتح الله كولن، كذلك بعض العلمانيين المنصفين الذين كانوا يدعمونه على مر سنوات وسنوات، خاصة في أزمة الانقلاب العسكري الفاشل، إذ كان للمعارضة التركية موقفا مشرفا فيه، وتوقع الكثيرون أن يتهادن أردوغان مع المعارضة بعد موقفها الرافض للانقلاب.
أردوغان مطالب خلال العامين ونصف العام المقبلين ألا يخسر أي من الـ 52% وهي كتلة المصوتين له في انتخابات الرئاسة والاستفتاء الأخير، كما أنه مطالب باستقطاب كتل من المعارضين له واسترجاع الأحلاف الذين فقدهم أو تعويضهم بآخرين، وهو أمر ليس بالهين مطلقا.
السحر قد ينقلب على الساحر
نسبة كبيرة من مؤيدي أردوغان من الشعب التركي يدعمونه بصفته الرجل الذي أنقذ تركيا واقتصادها، فالرجل تسلم البلاد في 2003 وهي في حالة يرثى لها، والأرقام والاحصائيات الاقتصادية متاحة للجميع وتبين حال تركيا عندما تولى أردوغان رئاسة الوزراء وحالها بعد سنوات حكم أردوغان، ولا ينكر دور أردوغان وحزبه في تقدم تركيا إلا جاحد أو جاهل، فالبلاد باتت من الدول ذات معدل النمو المرتفع عالميا ومن أقوى 20 اقتصاد في العالم.
لكن، الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة ليس بنفس عنفوان الاقتصاد الذي يفخر به أردوغان وحزبه ومؤيديه، كما أن الإرهاب زاد بشكل مكثف في تركيا، بعد الاشتباك الرسمي مع تنظيم الدولة الإسلامية بعد اتهامات بالتطبيع معه والتعامل معه، ما أثر على السياحة التي بلغت إيراداتها نحو 22 مليار دولار في عام 2016، بانخفاض نسبته 29.7% عن العام السابق، وفق بيانات مؤسسة الإحصاء التركية، وبالتالي فإن أردوغان إذا لم يتمكن من إحداث تحسينات في الاقتصاد فما هو الدافع للكتلة التي تراه منقذا لتعيد اختياره مرة أخرى؟
سياسات أردوغان كانت تصادمية بشكل كبير في الداخل، بالاشتباك مع الأكراد بعد سنوات من التفاهم، والحرب على جماعة كولن الحليف الاستراتيجي، كذلك فشل السياسات الخارجية لأردوغان لاسيما في الملف المصري والسوري.
إن الاستفتاء الذي قاتل من أجله أردوغان وحزبه لزيادة صلاحياته كرئيس وتحويل تركيا البرلمانية إلى رئاسية، يجعل أردوغان نفسه مهدد بذهاب ثمرة هذا القتال من أجل هذه الصلاحيات إلى رئيس آخر، ففي حال نجحت المعارضة التركية في استقطاب المزيد من الشعب التركي والاستقطاع من كتلة أردوغان، مع تقديمها وجها جيدا، له قبول شعبي ويتمتع بكاريزما تمكنه من منافسة أردوغان، ربما في 2019 لا يكون أردوغان رئيسا لتركيا ليتمتع بمزايا التعديلات الدستورية التي قاتل من أجلها.
لا نجزم بأن ما سبق سيناريو قريب الوقوع، لكنه يظل مطروحا بقوة في ظل معارك أردوغان الكثيرة وخلافاته مع رفقائه التي طالت صديقا دربه أحمد داوود أوغلو وعبدالله جول، وكذلك حليفه الاستراتيجي السابق فتح الله كولن وجماعته التي تجيد الحشد والتجييش وتتمتع بإعلام قوي ومؤيدين لا يستهان بهم.
قنابل موقوتة
سوء إدارة أردوغان لملفي الاقتصاد والإرهاب ربما يكون من ضمن منصات الهجوم عليه، بالإضافة إلى سوء التعامل بعد محاولة الانقلاب الفاشل، فمن الملاحظ أن أردوغان استغل محاولة الانقلاب لقمع الآلاف من كافة الأطياف بحجة التورط في الانقلاب، ما جعل البعض يتهمه بقتل أي ظهير شعبي يمكن أن يلتف حول بديل منافس له، فاللذين تتضرروا من قمع أردوغان في تزايد مستمر .
إن أردوغان مطالب بأن يقلل من حملاته التي تستهدف من يتهمهم بالتورط في الانقلاب، ليقلص من دوائر النزاع ويقلل معاركه الجانبية في الداخل، وأن يلطف الجروح التركية الداخلية بأن يحسن تعامله مع الكتلة الرافضة له أو التي تخلت عنه.
يحتاج أردوغان الآن أكثر من أي وقت مضى إلى "مصالحة داخلية"، فإذا كان الغرض من إجراءات أردوغان ما بعد الانقلاب هو توجيه رسالة مفادها أنه لا انقلابات عسكرية في تركيا بعد الآن، وأن أردوغان واعٍ تماما ولن ينطلي عليه أية خداع، فإن هذه الرسالة قد وصلت بالفعل، وبالتالي لا حاجة لمزيد من القمع والانتهاكات والخسارة المجتمعية، ولا بديل عن تخفيف وطأة القمع غير المبرر.
مستقبل على المحك
لقد وضع الاستفتاء مستقبل أردوغان وتجربته على المحك، وليس كما يعتقد المهللين لأردوغان في المنطقة العربية الذين يتعاملون مع الحدث وكأن أردوغان أعاد الخلافة التي هدمها أتاتورك.
الوضع بعد الاستفتاء يجعل أردوغان في حاجة إلى مصالحة مجتمعية مع رافضيه، فالنتيجة الوحيدة الأكيدة هي أن حوالي 50% من الشعب التركي رافض لأردوغان، وهو وضع يشبه بعض الشيء للوضع المصري إبان انتخاب د.محمد مرسي في 2012، رغم الفارق الكبير بين الحالتين، إلا أن الأمر يحتاج حيطة وحذر بالغين.
حرصنا على تجربة أردوغان يدفعنا إلى مطالبته بوقف سلسلة القمع ضد من يتهمهم بالتورط في الانقلاب، أو تقليلها وحصرها في نطاق ضيق في أسوأ الأحوال، والتصالح مع رافضيه، وإلا ستظل رقعة المعارضين له آخذة في التوسع حتى يُفاجأ بها تنفجر في وجهه في انتخابات نوفمبر 2019.
يجب أن يناقش أردوغان مع فريقه لماذا تخلت عنه اسطنبول وأنقرة؟ ولماذا تتقلص رقعة مؤيديه؟ الانتخابات والاستفتاءات في تركيا لا يتم تزويرها وتغيير الأنظمة كان يتم عبر الانقلابات العسكرية، وفرصها ضعيفة حاليا بعد المحاولة الفاشلة، وبالتالي إذا اختار الشعب التركي في 2019 غير أردوغان وحزبه في الرئاسة والبرلمان ومن ثم الحكومة ونصف القضاء، عندها سيتم اقتلاع نظام أردوغان بشكل ديموقراطي تماما كما جاء للسلطة بشكل ديمقراطي.
المصادر: