كاتوبجي
>> هل من مصلحة الثورة إحداث أي تغيير ولو شكلي يكون بمثابة إلقاء حجر في الماء الراكد؟
>> أيهما أفضل للثورة: أن تظل في موقف المؤمن الضعيف (ما بين قتيل أو جريح أو معتقل أو منفي) أم أن تستعين بأي فاجر ينصرها؟
«زلزال البرادعي»... أقل ما يمكن أن نصف به حال مصر الآن، بعد البيان الذي أصدره الدكتور محمد البرادعي، ليشرح ويُشرّح ما حدث في مصر منذ 30 يونيو 2013 وحتى تقدمه باستقالته إبان مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
بيان البرادعي في مجمله يمكن أن نعتبره محاولة لغسل أياديه من تهم عدة طالته من الأطراف كافة (مؤيدي الانقلاب ورافضيه) كما انه لم يأت بجديد يذكر، وكل ما سرده سبق وأخبر به عقب استقالته، لكن الجديد وغير المبرر هو الحملة الشرسة التي تعرض لها ويتعرض لها كلما تحدث ولو بتدوينة على «تويتر».
في مصر، طرفان الآن يسبون البرادعي ويكيلون له الاتهامات، أتباع عبدالفتاح السيسي، والمحسوبين على التيار المطالب بعودة الرئيس الدكتور محمد مرسي.
«السيساوية» إذا جاز لنا استخدام التوصيف، ربما يحق لهم أن يهاجموا كل من يحاول كشف الحقائق، بل لزاما عليهم أن يصنعوا ذلك لأكثر من سبب، فهم المنتفعين من السيسي وهم صنيعة يديه، كما أن الظرف الراهن في مصر وكونها تحت براثن حكم مستبد، يجعل من الهجوم على من يحاول كشف الحقيقة -ولو جزئيا- ناموسا كونيا وسنة بشرية أخبر بها النابغة عبدالرحمن الكواكبي في تحفته الخالدة «طبائع الاستبداد» فـ«الاستبداد يقلب الحقائق فى الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مُطيع، والمُشتكي المُتظلم مُفسِد، والنبيه المُدقق مُلحد، والخامل المسكين صالح، ويُصبح -كذلك- النُّصْح فضولا، والغيرة عداوة، الشهامة عتوّا، والحميّة حماقة، والرحمة مرضا، كما يعتبر أن النفاق سياسة والتحيل كياسة والدنائة لُطْف والنذالة دماثة!»
أما عن جماعة الإخوان، فقد شنت عبر أذرعها الإعلامية وكتائبها الالكترونية هجوما حادا على البرادعي، وتنوعت الاتهامات بين (التحالف مع العسكر والتآمر على مصر وثورتها وخيانة الدم المصري والتسبب في إهداره)
حقيقة، لا أجد فارقا جوهريا بين جماعة الإخوان ومحمد البرادعي، بل إن التشابه بينهما يصل إلى حد التطابق في أمور مفصلية، والغريب أن كلا الطرفين يهاجم الآخر بما هو أهله.
لمزيد من التفصيل، وبقليل من التأمل، سنجد أن جماعة الإخوان عايرت وتعاير البرادعي بالسكوت على الدم إبان الانقلاب، وتحمله وزر المشاركة في جريمة فض رابعة والنهضة، وتتناسى الجماعة وأبنائها أنها أيضا باعت (أو أغمضت عينها في أحسن الأحوال) دم المصريين في مناسبات معروفة، بل إن الأمر طال دم أبناء التيار الإسلامي الذي تنتمي له الجماعة (حازمون واعتصام وزارة الدفاع لمن يدعي النسيان).
جماعة الإخوان تتهم البرادعي بالتآمر مع العسكر على الرئيس المنتخب، رغم أن الجماعة كانت من أوائل من وضعت يدها في يد العسكر، من قبل ثروة 25 يناير بسنوات، بل أن الرئيس مرسي نفسه مرسي كان من ضمن الجالسين مع عمر سليمان وقت الثورة، كما حشد الجماعة الملايين في جمعة قندهار لدعم المجلس العسكري بعد أشهر قليلة من تنحي مبارك، ولا ننسى اعتراض الدكتور سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب المنحل، على مقولة محمد أبو حامد بأن الشرعية للميدان وليست للبرلمان.
حتى على الصعيد الدولي.. التشابه بين الجماعة والبرادعي كبير، وإن كان ثمة اختلاف فربما يصب في مصلحة البرادعي، الذي تتهمه الجماعة بانه دمر العراق وقت أن كان رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم أن المثبت هو أن تقارير الوكالة وكذلك تقارير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتفتيش على الأسلحة الكيمائية والبيولوجية التي ذكرت بوضوح أننا لم نجد أي دليل على إحياء العراق لبرامج أسلحة الدمار الشامل، أدت هذه التقارير الى تعذر حصول تلك الدولتين على قرار من مجلس الأمن بمشروعية الحرب على العراق (نص تقرير البرادعي ترجمته ونشرته الجزيرة عبر موقعها)
على الجانب الآخر، نجد أن إخوان العراق كانوا من ضمن راكبي دبابات ابرامز الأمريكية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، وكان لهم مواقف مخزية من مجازر الجيش الأمريكى، وحضر الإخوان المسلمين المؤتمر الذى عقد فى لندن ووافقوا على قيام أمريكا بإسقاط النظام العراقى ومنذ اللحظة الأولى لسقوط بغداد شاركوا فى مجلس الحكم الإنتقالى تحت إمرة الأمريكي بول بريمر، ومن بعده فى حكومة إياد علاوى وكذلك فى حكومة إبراهيم الجعفرى وحكومة نورى المالكى، ولا يكن أن ننسى دورهم في إنشاء الصحوات، فكرة ديفيد بتريوس للقضاء على المقاومة العراقية.
كلام البرادعي في مجمله ليس بالجديد.. لكن الضجة كلها سببها التوقيت (قبل غول 11/11 الذي يرعب نظام السيسي) وافهم سر هجوم أبواق السيسي عليه، لكن لماذا يهاجم الاخوان البرادعي وهو شبيههم ؟ هل لانه لم يطالب بعودة مرسي للحكم؟ أم لأن "عدوك ابن كارك" والبرادعي والإخوان "أولاد كار واحد" ومدرسة واحدة.
هذا الهجوم يطرح سؤالا افتراضيا مهما: ماذا لو تمت الإطاحة بالسيسي في 11/11؟ وجئ بالبرادعي رئيسا لحكومة توافقية؟ هل سيرفض الإخوان؟ طيب ماذا لو جئ بأي اسم آخر غير البرادعي؟
البرادعي على ما يبدو أنه يغسل نفسه من ذنوب السنوات الخمس الأخيرة، ربما استعدادا لما هو آت؟ وربما ليرمي طرف خيط لجماعة الإخوان كمقدمة لتغيير نظام السيسي ولو بشكل ظاهري محدود (الجيش لن يسمح لأحد أن يشاركه الحكم ويمنعه النهب والسرقة).
طيب، إذا حصل ما سبق، والاحتمال هنا ضعيف، هل سيكون ذلك في مصلحة الثورة؟ أم أن الأمر سيكون حلقة جديدة من حلقات "خزوقتها"؟
وأيهما أفضل للثورة: أن تظل في موقف المؤمن الضعيف (ما بين قتيل أو جريح أو معتقل أو منفي) أم أن تستعين بأي فاجر ينصرها؟
وهل من مصلحة الثورة إحداث أي تغيير ولو شكلي يكون بمثابة إلقاء حجر في الماء الراكد؟
والسؤال الأهم في نظري: هل تنتصر الثورات عموما بالضربة القاضية؟ أم تنتصر بتجميع النقاط؟
الضربة القاضية تتطلب تنظيمات ثورية راديكالية لديها القدرة على المواجهة، والأهم من القدرة، الرغبة في المواجهة. بينما تجميع النقاط يتطلب نهجا براجماتيا -لصالح الثورة وليس لمصلحة جماعة- وكلا الأمرين لا يتوفران في مصر للأسف.
فهل بات الحل -ولو مؤقتا- أن ننتظر ونرى ما سيحدث في 11/11؟ لاسيما أن أغلب المحسوبين على الثورة سيكتفون فقط بالجلوس والانتظار.