-->
كاتوبجي كاتوبجي
recentposts

آخر الأخبار

recentposts
recentposts
جاري التحميل ...
recentposts

تقدير موقف| المصالحة أو السلاح.. أمران لا ثالث لهما لحلحلة الوضع في مصر





بين حين وآخر، تطالعنا صحيفة مقربة من أحد طرفي النزاع في مصر، الذين لا يختلفان في كثير فيما بينهما، ولا يجوز من الأساس حصر الصراع بينهما، والحديث هنا عن جماعة الإخوان ونظام السيسي، باقتراب المصالحة بين الطرفين.

آخر هذه المناورات كانت حوار نائب المرشد العام للجماعة الدكتور إبراهيم منير، الذي قال صراحة لموقع "عربي 21": "فليأتنا من حكماء شعبنا أو من حكماء الدنيا، من يرسم لنا صورة واضحة للمصالحة، التي يعلقها البعض في رقبة الجماعة ورقاب الفصائل الشريفة المعارضة للانقلاب التي تحقق السلم والأمن بكل الأمة المصرية، دون مداهنة أو خداع أو كذب على الناس، وعندها تكون ردود الفعل".

وما أن هاجت الدنيا وماجت، حتى سارع نائب المرشد إلى توضيح ما يقصده عن المصالحة، ورأيناه يصول ويجول في كافة القنوات المحسوبة على الجماعة والصادرة من تركيا، لينفي تفريط الجماعة في دماء الشهداء وضحايا الانقلاب من مصابين ومنفيين ومعتقلين.

أحاديث المصالحة في مصر بعد انقلاب 30 يونيو، صارت من كثرتها محط سخرية أكبر من كونها محط استهجان، لاسيما بعد تردي موقف الثورة مقارنة بموقف معسكر الانقلاب.

كانت جماعة الإخوان تعول كثيرا على انتخاب هيلاري كلينتون رئيسا للولايات المتحدة، لاسيما في إطار التسريبات والتلميحات التي أكدت اعتزام كلينتون فرض المصالحة في المنطقة بين دولها المتنازعة، ومن ضمنها مصر، وبالتالي عودة الإخوان للحياة السياسية مرة أخرى.

لكن كانت الطامة الكبرى، وغير المتوقعة، بفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى خلط الأوراق كافة، ليس فقط على المستوى العربي، بل على المستوى العالمي أيضا.

واقع الأمر أن ترامب ربما لن يختلف كثيرا عن كلينتون فيما يخص الشأن المصري، وسيتبع نفس النهج الذي اتخذه أوباما طول ثلاث سنوات خلت، هي عمر الانقلاب الذي جرى الإعداد له برعاية أمريكية صهيونية.

التجربة المصرية الانقلابية القصيرة كشفت للجميع حقيقة مؤكدة، وهي أن الغرب "الديمقراطي" لا يهتم بديمقراطية طالما أنها تحمل إسلاميين إلى سدة الحكم، ولا ينشغل بحقوق الإنسان طالما أن من ينتهكها أحد رجالهم المصنوع على أعينهم.

ربما ما يشاع حول رفض أوباما التعجيل بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي صحيحا، وهو ما ذكره مرسي بنفسه قبل ساعات من الانقلاب، ولكن الرئيس الأمريكي لا يملك أن يخالف الضغط الصهيوني -أو الأوامر إن شئنا الدقة- وطالما أن "إسرائيل" لا تريد رئيسا ينتمي إلى التيار الإسلامي في جوارها، فعلى الولايات المتحدة تنفيذ رغبتها.

إذا صح رفض أوباما، فقد يكون سبب هذا الرفض، هو تخوف أوباما من تحول جماعة الإخوان، الفصيل الأكثر تنظيما وقدرة على الحشد في مصر، إلى حمل السلاح، ليسلك طريقة قرنائه في سوريا، وربما ينتقم الإخوان وقتها من رعاة الانقلاب ومدبريه.. العدو الصهيوني والولايات المتحدة.

قد يكون هذا الافتراض خاطئا، لكن الأيام أثبتت صحة مراهنة السيسي وإسرائيل وجنرالات أمريكا على قبول الإخوان وخنوعهم ورضاهم بالأمر الواقع، أضف إلى ذلك انخراطهم التام في النظام العالمي وتحولهم إلى جزء أصيل منه، وبالتالي سيقبلون بالدور الجديد الذي طالما عشقوه.. دور الضحية.

راهن صناع القرار في تل أبيب وواشنطن على نسيان الإخوان لدعوات الجهاد، كما راهنوا على تخوفهم من السيناريو السوري، رغم الاختلاف الكبير بين البلدين ديموغرافيا واجتماعيا، ووثقوا من أن الجماعة ستكتفي فقط بالتظاهر السلمي وشعار "سلميتنا أقوى من الرصاص".

كرر الإخوان نفس خطأ الثورة الذي كان الرابط الوحيد بين كل فصائلها والمحسوبين عليها.. التغاضي التام عن معاداة أمريكا وإسرائيل باعتبارهما عدوين صريحين للشعب المصري وثورته، أو تأجيل الصراع إلى أن يحين وقته في أحسن الأحوال.

بعد انقلاب 30 يونيو 2013، كرر الإخوان ذات الخطأ، لكن هذه المرة بشكل أكثر فجاجة، وحين نختص الإخوان بالحديث، فهذا لكونهم الفصيل الأكبر والأكثر تنظيما والأقدر على الحشد بمعسكر الثورة، ولكونهم الأكثر تضررا من الانقلاب، فالرئيس المنتخب منهم وأعضائهم ومحبيهم هم من سيدفع الثمن غاليا.

طوال سنوات الانقلاب الثلاثة، لا نذكر أن جماعة الإخوان مثلت أي ضرر يذكر على المصالح الأمريكية في مصر، حتى مع انتشار عمليات المقاومة النوعية، لم نر عملية واحدة تستهدف المصالح الغربية وفي القلب منها المصالح الأمريكية، اللهم إلا بعض الحالات ضد مطعم كنتاكي، وهي محاولات لا تسمن ولا تغني من جوع، وضررها أكبر من نفعها.

حتى التظاهرات السلمية لتحالف دعم الشرعية، خلت تماما من أي هتافات معادية لأمريكا وإسرائيل، أو حرق لأعلامهما، اللهم إلا في أسبوع واحد فقط، ولم تدم تلك النوعية كثيرا، ولا نعرف حتى الآن السبب وراء الإغفال المتعمد لمثل هذه الخطوات البسيطة غير المكلفة؟ ولا نعرف إلى متى سيواصل الإخوان إغفال دور أمريكا وإسرائيل التآمري في الانقلاب؟

إحدى التدوينات التي ظهرت في خضم الثورة اليمنية ضد المخلوع علي عبدالله صالح، كانت منسوبة لزعيم جماعة الحوثي، ويقول فيها إنه كلما هتفوا ضد أمريكا وإسرائيل وحرقوا أعلامهما، سارع السفير الأمريكي باليمن إلى الاتصال بهم لمعرفة مطالبهم، وكذلك الاتصال بالرئيس المخلوع لتخفيف القبضة عليهم.

سواء صحت التدوينة أو كانت غير ذلك، لكن يبقى مغزاها صحيحا، فالغرب -وفي القلب منه أمريكا- لا يعرف سوى لغة المصالح، ولا يهتم إلا بمكتسباته، كما أنه ليس بالذكاء الخارق الذي يبالغ بعض عشاق نظرية المؤامرة في تصويره به.

كان طوق النجاة للثورة ولجماعة الإخوان، هو التصعيد الفوري والعاجل والمستمر ضد الحلف الصهيوني الأمريكي، الحاكم الفعلي لمصر وللدول العربية، وكان على هذا التصعيد أن يأخذ أشكالا عدة، مثل الهتاف ضد أمريكا وإسرائيل وحرق أعلامهما، والتظاهر المستمر أمام أو بالقرب من سفارتيهما، وصولا إلى استهداف المصالح الأمريكية في مصر، وهذا الأخير لن يقدر عليه سوى تنظيم بحجم الإخوان.

لكن الإخوان بدلا من ذلك، توجهوا ركعا سجدا على عتبات البيت الأبيض تارة، والكونجرس الأمريكي تارة أخرى، ومجلس العموم البريطاني تارة ثالثة، ولولا الملامة لوجدناهم على عتبات الكنيست الصهيوني.
 
وكانت أكثر الصور استفزازا تلك التي التقطها وليد شرابي وجمال حشمت، وهما يرفعان علامة رابعة من داخل الكونجرس الأمريكي.. صورة جمعت القاتل والقتيل والمحلل.

تسارع الأحداث فى المنطقة (إعلان الخلافة على يد تنظيم الدولة - ثم التحالف الأممي ضد التنظيم - سقوط صنعاء فى يد الحوثيين - ثم عاصفة الحزم - والاتفاق النووي الإيراني - واشتعال الوضع فى ليبيا - الأزمة المتجددة بين المغرب والجزائر - ثم الهجرة غير الشرعية التي تزعج أوروبا - والوضع المشتعل في سوريا.. إلخ) كل ما سبق جعل من مصر قضية هامشية خارج اهتمامات الدول الكبرى، بل إن الظروف ساعدت السيسي في إظهار نفسه عدوا للإرهاب وفقا للتصور الغربي.

كانت الفرصة الوحيدة، التي قد لا تزال قائمة ولو بشكل ضعيف، في سلاح تهديد المصالح الأمريكية في مصر، وهي تلك التي تعهد جيش كامب ديفيد بحمايتها ورعاية الأمن القومي الصهيوني منذ 1978.

لو أن معسكر الثورة انتهز تلك الفرصة وقاتل عليها، كان الغرب سيأتيه راغما من أجل المصالحة، وربما كسر الانقلاب بشروط أفضل للثورة، فالعلاقة بين الحلين (المصالحة وسلاح تهديد المصالح) طردية من جهة واحدة، كلما اقتربت من السلاح اقتربت منك المصالحة.

إن الوضع القائم في مصر، وجعلها شبه دولة، وفقا لتصريح السيسي، هو ما يريده الغرب تماما لمصر، شبه دولة تعاني الغرق، ولا تغرق، تحين لها فرص النجاة من حين لآخر، دون أن تنجو.

استمرار الوضع الحالي، مع تواصل النهب المنظم من جيش كامب ديفيد لكافة الثروات، سيفضي بمصر في نهاية المطاف إلى صومال جديدة، الفارق أن مصر سيلعب قادة الجيش فيها دور أمراء الحرب، دون نزاع بينهم.

الخروج من الوضع الحالي، لن يكون إلا بواحد من الحلين السابقين، وإن كانت المصالحة قد يدعمها الغرب، في محاولة منه لإغلاق دفاتر المنطقة، لاسيما أن أمريكا تنشغل حاليا بمناطق صراع جديدة، بعد أن أجهزت على ثروات المنطقة وأغرقتها في فوضى عارمة برعاية حكامها، وهو ما أفصح عنه أوباما في حوار الهام مع "ذا أتلانتيك" التي عنونت الحوار بـ"مبدأ أوباما" وهو عنوان له مدلوله في أدبيات السياسة الأمريكية، ويعني التزام الإدارات التالية بالخطوط العريضة بهذا المبدأ حتى لو كانت من حزب مخالف، وهو ما يعني أيضا أن المصالحة لم تعد مستحيلة رغم  قدوم ترامب رئيسا لأمريكا.

يبقى الحل الآخر عصيا على الجميع في مصر، لكنه أيضا غير مستبعد، وإذا كانت الثورة لم تطبقه بمغزاه السياسي في حربها مع أعدائها، فقد يلجأ إليه الشعب بمغزاه الاجتماعي في حربه من أجل لقمة العيش مع عدوه الحقيقي الحاكم لمصر.

أي الحلين سيكون أقرب؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام المقبلة.
==


عبدالرحمن كمال 
صحفي ومدون مصري



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زارنا آخر أسبوع

المتابعون

أرشيف المدونة

جميع الحقوق محفوظة

كاتوبجي

2016