>> سياسيا: السيسي حول مصر من تابع لأمريكا إلى تابع لتوابع أمريكا
>> استراتيجيا: الجزيرتان تقعان في مدخل خليج العقبة.. شريان الحياة لميناء إيلات
>> اقتصاديا: السيسي أجهز على سياحة الغطس بالمنطقة.. وحرم مصر من موارد البحر الأحمر كالغاز والمنجنيز
كتب: عبدالرحمن كمال :
إذا استعملنا لغة المصالح التي لا تعرف السياسة سواها، لنحدد حجم الكارثة التي ارتبكها عبد الفتاح السيسي بعد تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة السعودية، فهذا يعني رصد كافة وأشكال الخسائر التي لحقت وستلحق بمصر بعد هذه الفعلة الشنعاء.
في هذا التقرير، سنرصد أهم الخسائر السياسية والاستراتيجية والاقتصادية من الجريمة التي ارتكبت في حق مصر، ليعرف القارئ إلى مدى وصل بالنظام الحالي الاستهتار والتفريط في البلاد التي صدع أدمغتنا بكونه حامى حماها.
الخسائر السياسية
في حقيقة الأمر، فإن الخسائر السياسية من تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير ليست وليدة اللحظة، بل هي خسارة ترسخت منذ تولي عبدالفتاح السيسي زمام الأمور في مصر، بعد أحداث 30 يونيو 2013.
إذا كان المخلوع مبارك قد حول مصر التي كانت يوما ما زعيمة العرب، إلى مجرد تابع لحظيرة أمريكا وإسرائيل، فإن السيسي انحدر بمصر إلى هاوية التبعية لأتباع أمريكا وإسرائيل.
صارت مصر في عهد السيسي مجرد تابع يتلقى الأوامر، من الرياض لا من البيت الأبيض، وأصبح كل دور مصر السياسي في المنطقة تقديم فروض الولاء والطاعة لعدو الأمة الأول «إسرائيل» وعدو الثورة الأول «ممالك الخليج وفي القلب منها السعودية».
سياسيا، تحولت مصر إلى قزم لا يهتم أحد بسيادته أو يفكر في مشورته، ورغم أن إعلام السيسي يتغنى ليل نهار بقدرته علىى استعادة مكانة مصر الاقليمية والخارجية، إلا أن حقائق الأمور ووقائع الأحداث تؤكد أنها أدخل مصر في بيت الطاعة الخليجي مقابل حفنة من «الرز» تساعده على إطالة أمده في الحكم، وكان آخر مظاهر الاستكانة السياسية لما تقرره السعودية هو الانصياع لرغبة السعودية في ضم الجزيرتين اللتان لم تكن تحلم السعودية بالحصول عليهما في أفضل أحلامها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الملك فيصل، كان قد تقدم بطلب إلى إسرائيل لمنحه الجيزتين بعد ان احلتهمها من مصر في نكسة يونيو 1967، وهو الطلب الذي تكرر 3 مرات، في أغسطس 1967 ثم نوفمبر 1967 ثم يناير 1968، عن طريق وساطة أمريكية، ورغم أن العدو الصهيوني قدم شروطا مجحفة في الطلب الأول للموافقة على منح الملك فيصل الجزيرتين، إلا أنه تراجع بعد ذلك وأهمل الطلب السعودي، وفقا لأرشيف وزارة الخارجية الأمريكية.
لم يكن الملك فيصل يعلم أن السعودية ستتحول يوما إلى سيدة قرار مصر، والآمر الناهي لها، والغريب أن السعودية التي لا تقوى على اتخاذ أي قرار بعيدا عن الرب الأمريكي، صارت الآن هي المخطط الأول لسياسات مصر في عهد السيسي.. وما خفي كان أعظم.
الخسائر الاستراتيجية
قبل أن نعرض أهم الخسائر الاستراتيجية، يجب أن يطلع القارئ على موقع الجزيرتين على الخريطة، ليعرف أهمية الموقعين الذين تنازل عنهما السيسي من أجل البقاء في منصبه.
وتقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، 6 كيلو متر من ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلو مترا مربعا، وهي تحت الإدارة المصرية، بينما جزيرة صنافير تقع شرق مضيق تيران، وتبلغ مساحتها 33 كيلو مترا مربعا.
تقع الجزيرتان في مدخل خليج العقبة الملاحي، كما توضح الخريطة المرفقة، وهو الخليج الذي يمثل شريان الحياة لميناء إيلات الصهيوني، وربما لهذا السبب تتواجد قوات خاصة من الجيش الأمريكي بجزيرة تيران للإشراف على الملاحة ومراقبة السفن، على اعتبار أن الجزيرة تقع ضمن المنطقة (جـ) التي تخض للحماية الدولية وفقا لبنود معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
العدو الصهيوني على علم تام بأهمية الجزيرة من الناحية الجيواستراتيجية، ذلك حرص على أن تتولى قوات أمريكية فقط حماية الجزيرة منذ عودتها إلى مصر بموجب اتفاقية السلام، حيث اقتصر تواجد قوات حفظ السلام الدولية على الجنسية الأمريكية فقط.
بالإضافة إلى موقعها الهام والتاريخي في فم خليج العقبة، فإنها أيضا ذات أهمية قصوى بسبب وقوعها قبالة سواحل شرم الشيخ، أي أن مضيق تيران الفاصل بين الجزيرة وشرم الشيخ، اللتان تقعان تحت السيادة المصرية، كان من الممكن أن يمكنا مصر من فرض حمايتها على ملاحة المنطقة التي تمثل موقعا لوجستيا هاما نظرا لقربها من قناة السويس وميناء إيلات أيضا، وإذا وضعنا في الحسبان أن وزارة الدفاع الأمريكي قررت مؤخرا الانسحاب من قوات حفظ السلام في سيناء، وبالتالي من جزيرة تيران، فإنه كان من الممكن أن تعود مصر للإشراف على الملاحة بالجزيرة طالما أنها تابعة لمصر.
لكن السيسي بادر بالتنازل عن الجزيرة للسعودية، ليكون مضيق تيران واقعا بين دولتين، أي انه بحاجة إلى معاهدة دولية للإشراف عليه، كونه لا يقع بكامل ضفتيه ضمن سيادة دولة واحدة، ما يمثل حجة وغطاء للإبقاء على التواجد الأمريكي في الجزيرة لحماية أمن ميناء إيلات ونزولا على رغبة إسرائيل.
الخسائر الاقتصادية
لم يعبأ السيسي بأوجاع السياحة المصرية التي ماتت منذ حادث الطائرة الروسية، ليوجه لها ضربة قاضية جديدة، بالتخلي عن جزيرتي صنافير وتيران اللتين تعدان محطا سياحيا هاما في البحر الأحمر وشرم الشيخ.
العاملون بمجال سياحة الغطس يؤكدون ان إجمالي عدد السائحين مصريين وأجانب الذين يأتون إلى مدينة شرم الشيخ قاصدين جزيرتي تيران وصنافير لممارسة الغطس يصل إلى 2500 سائح يوميا.
صلاح الدين عاطف رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات السياحية العاملة بشرم الشيخ قال إن جزيرتي تيران وصنافير هما المقصد الأساسي لهواة الغطس من السائحين مصريين وأجانب، وفي حال تنازل مصر عنهما للمملكة العربية السعودية يتوقف نشاط الغطس بمحيط الجزيرتين لكونهما في هذه الحالة تتبعان دولة أخرى ولا تستطيع أي شركة من شركات السياحة تخطي المياه الإقليمية لدول الجوار.
ويضيف عاطف أن سياحة الغطس تتميز في جزيرة تيران عن غيرها من الجزر المحيطة بأنها على مقربة من منطقة الغرقانة، موضحا أن منطقة الغرقانة يتطلب الذهاب إليها المرور على جزيرة تيران لكونها تقع أمام تيران مباشرة.
فيما أكد جمال أبو زيد مدير إحدى الشركات السياحية بشرم الشيخ إن وجود جزيرة تيران لدى دولة أخرى سيؤثر بالسلب على السياحة المصرية، منوها أن هناك أكثر من 30 رحلة غطس يوميا تتجه من شرم الشيخ إلى جزيرتي تيران وصنافير لتميزهما بشعاب مرجانية خلابة المنظر والأسماك الملونة التي تتجمع أسفل المركب الغرقانة بالقرب من جزيرة تيران.
وأضاف أبو زيد أن إجمالي عدد القاصدين لجزيرتي تيران وصنافير بغرض الغطس من المصريين والأجانب يصل تقريبا إلى 2500 سائح يوميا.
الخسائر الاقتصادية لا تنحصر فقط في السياحة التي أعلن السيسي موتها بهذا القرار الكارثي، لكن الخسائر تشمل أيضا ضياع حق مصر في موارد البحر الأحمر من نفط وغاز بالقرب من الجزيرة، بالإضافة أن الدراسات أكدت ان قاع البحر الأحمر مليئ بالمنجنيز، وكل ذلك قدمه السيسي لكفيله السعودي فقط ليحظى ببعض الوقت على كرسي الرئاسة
نقلا عن زقاق النت نشر الموضوع لأول مرة يوم 11 ابريل 2016