-->
كاتوبجي كاتوبجي
recentposts

آخر الأخبار

recentposts
recentposts
جاري التحميل ...
recentposts

#تيران_وصنافير_مصرية| ما هو أبعد من "الجزيرتين" .. حقائق الأمن القومي



أيمن الصياد - الشروق:

إذا كنا ما زلنا نعتقد أن الأمن القومي العربي واحد، مصريا كان أو سعوديا أو عراقيا أو مغاربيا أو غير ذلك (من المحيط إلى الخليج) فالسؤال الذي أخشى أن يكون قد غاب عن الجميع هو: أي وضع «قانوني» للجزيرتين، هو الأفضل لاعتبارات هذا الأمن القومي؟ مع ملاحظة أنني أتحدث هنا عن الأمن القومي «العربي» لا المصري فقط

الخبر الصادم (أو المفارقة، إن شئت) أنه في الذكرى الخمسين لهزيمة الخامس من يونيو التي دفع فيها ما يزيد على أحد عشر ألفا من المصريين أرواحهم دفاعا عن «الأرض»، والتي تصادف أن تواكبت هذا العام مع ذكرى العاشر من رمضان الذي دفع فيه آلاف من المصريين الآخرين أرواحهم على طريق استرداد «الأرض»، لم يتردد صاحب القرار أن يدفع بالبرلمان المصري إلى مناقشة اتفاقية «تيران وصنافير» على الرغم من حكم بات ونهائي يجعلها كالعدم، وعلى الرغم من نص دستوري صريح يحرم التنازل عن «الأرض» تحت أي ظرف من الظروف. وعلى الرغم مما يعنيه ذلك كله سياسيا من إهدار المجلس النيابي لحكم قضائي بات، وهو ما يضرب في مقتل مشروعية النظام القائم دستوريا على الفصل بين السلطات، وعلى إعلاء القانون. 

***

بداية أعود لأكرر ما أوضحته مائة مرة فيما كتبت حول الموضوع، من التأكيد على أنني هنا لا أناقش الحجج القانونية لهذا الرأي أو ذاك (المحكمة حسمت المسألة في حيثيات من ٥٨ صفحة). إذ يبقى من المهم لكل «عربي»؛ مصريا كان أو سعوديا؛ لا فارق، الإجابة عن السؤال الذي وضعته على رأس هذا المقال: أي وضع «قانوني» للجزيرتين، سيكون الأفضل لاعتبارات الأمن القومي العربي (لا المصري فقط)؟ ومن ثم، فمن يا تُرى في مصلحته أن يهدر اعتبارات الأمن القومي «العربي» هكذا؟ ولصالح من(؟!)

ثم إنني أعود لأُذكر بأن العلاقات المصرية السعودية (شعبيا) لم تتضرر في تاريخها مثلما تضررت للأسف من جراء ما شاب هذا الاتفاق. أو بالأحرى ما شاب أسلوب إدارته وسياقات الإعلان عنه. وعلى المهتم برصد ما جرى (شعبيا) أن يعود إلى ملاسنات «شوفينية» تجاوزت كل حد من شأنها أن تترك ندوبا لن تندمل للأسف قبل وقت طويل. على الرغم من حقيقة أن الأمن القومي «العربي» واحد. وأن المصلحة، بحكم التاريخ والدين واللغة واحدة. وعلى الرغم من حقيقة أن القضية في حقيقتها، كما سيتبين في السطور القادمة ليست «مصرية / سعودية»، بل «عربية / إسرائيلية»

***

يفصل خليج العقبة (طوله ٩٦ ميلا) ما بين الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء «المصرية»، والساحل الغربي لجزء من شمال المملكة العربية السعودية. وعند المدخل (الضيق) للمضيق تقع الجزيرتان «تيران وصنافير». وتبعد جزيرة تيران عن الساحل المصري ثلاثة أميال، وعن الساحل السعودي أربعة أميال ونصف. وتصنع الجزيرتان طبيعيا ثلاث ممرات من وإلى الخليج، الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وهو الوحيد الصالح للملاحة (عمقه ٢٩٠ مترا) واسمه ملاحيا ممر «إنتربرايز». والثاني أيضا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، واسمه «جرافتون»، وعمقه لا يتجاوز (٧٣ مترا)، في حين يقع الثالث بين الجزيرتين «تيران وصنافير». وعمقه ١٦ مترا فقط، وتكمن أهمية الجزيرتين (غير المأهولتين) في موقعهما الاستراتيجي على «بوابة» خليج العقبة. وهو ما يجعل من المتحكم في مضيق تيران المتحكم واقعيا في حركة الدخول والخروج إلى الخليج الذي يمثل المنفذ الوحيد إلى منطقة أم الرشراش التي احتلتها القوات الإسرائيلية في مارس ١٩٤٩ لتصبح ميناء إسرائيليا (إيلات).

والحاصل أن الموقع الاستراتيجي للمضيق، جعل منه على الدوام رقما مهما في معادلات الأمن القومي لمصر، وصل إلى درجة أنه كان سببا مباشرا في اندلاع حرب ١٩٦٧.

في يوميات المضيق ذات الصلة بالأمن القومي (وهي كثيرة) منشور يحمل رقم ٣٩ لعام ١٩٥٠ أصدرته مصلحة الموانئ والمنائر المصرية في ٢١ ديسمبر ١٩٥٠ (بعد حرب ١٩٤٨، وبناء على طلب وزارة الحربية)، وجرى توزيعه على جميع البعثات الأجنبية. ينص في بنده الأول على توجيه طلقات تحذيرية لأي سفينة حربية إسرائيلية أو تابعة لإسرائيل تحاول أن تمر في المياه الإقليمية بما في ذلك مضيق تيران. كما ينص في بنده الثالث على ممارسة السلطات المصرية «الحربية» لحقها في التأكد من هوية ووجهة وطبيعة البضائع المحملة على السفن الأجنبية «المحايدة» العابرة للمضيق. «بحيث لا يعوق استخدام هذا الحق حرية المرور (البريء)، كما تقضي القواعد المستقرة في الأوضاع المماثلة».

ممارسة لهذا الحق، نقرأ في يوميات المضيق أن السلطات المصرية أوقفت السفينة الأمريكية Albion في نوفمبر ١٩٥٣، ولم تسمح لها بالمرور إلا بعد التأكد من أنها تحمل شحنات من القمح إلى ميناء العقبة الأردني. في حين لم تسمح للسفينة الإيطالية Maria Antonia بالعبور بعدما اتضح أنها تحمل مواد ذات طبيعة استراتيجية في طريقها إلى ميناء إيلات الإسرائيلي.

وتحكي يوميات المضيق أيضا كيف تذمرت حكومة «بريطانيا العظمى» يومها من هذه الإجراءات. الأمر الذي كان محلا لجدل كبير انتهى باعتراف البريطانيين بشرعية الإجراءات المصرية بشأن ممارسة سيادتها على مضيق تيران. (يرجى العودة إلى مذكرة السفير البريطاني فى القاهرة المرسلة إلى وزير الخارجية المصري فى ٢٩ يوليو ١٩٥١ في أعقاب أزمة السفينة الإنجليزية Empire Roach التي احتجزتها السلطات المصرية بعد أن رفض ربانها الامتثال للأوامر).

في يوميات المضيق أيضا، أو في دلالتها ما كان من حرص مصر على ألا تنتقص اتفاقية الهدنة (بعد حرب ١٩٥٦) من السيادة المصرية على المضيق، باعتباره ضمن الإقليم المصري (بحكم سيادتها على الجزيرتين) بل والحرص المصري لاحقا على ألا تمس بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (١٩٧٩) والتي تنص مادتها الخامسة على «حرية الملاحة والعبور الجوي» بالوضع القانوني للمضيق ومياهه، وهو ما حرصت الدبلوماسية المصرية على تأكيده عند التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في يوليو ١٩٨٣.

والمعروف لذوي الاختصاص أن قانون البحار الدولي هذا الذي تضمنته اتفاقية ١٩٨٢ يعطي للدول الشاطئية سلطة على بحرها الإقليمي تتمثل في أمور عدة بينها ما يلي: 

ــ حق اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع المرور غير البريء. 

ــ حق الإيقاف المؤقت للمرور «البريء» من مساحات معينة من البحر الإقليمي، «إذا كان هذا الإيقاف لازما لحماية أمن الدولة الساحلية». 

ــ حق طلب مغادرة السفن الحربية للبحر الإقليمي في حالة عدم امتثالها لنظم الدولة الساحلية. 

وهو الأمر الذي يعرف الدبلوماسيون والعسكريون المصريون أن مصر مارسته مرارا وتكرارا (بحكم سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير) دفاعا عن مصالحها الاقتصادية والأمنية.

***

خلاصة القول إذن يمكننا أن نقرأها واضحة في حقائق الجغرافيا، والتاريخ، والقانون الدولي، فضلا عن الأمن القومي:

١ـ في حقائق الجغرافيا: أن مضيق تيران (الذي يفصل بين جزيرة تيران وساحل سيناء) هو المنفذ الوحيد لخليج العقبة بوصفه الممر الوحيد الصالح للملاح.

٢ـ وفي حقائق القانون الدولي: أن الجزيرة إذا ظلت على حالها «مصرية»، فإن هذا الممر يظل مياها داخلية مصرية. ويظل لمصر «العربية» جميع حقوق السيادة على الممر. وعلى الرغم من أن اتفاقية السلام مع إسرائيل وبقواعد القانون الدولي تفرض حرية المرور «البريء» بالمضيق. (أكرر: «البريء»)، فإن هذا المبدأ يجري تعطيله زمن الحرب، ليصبح لمصر «العربية» الحق المطلق في فرض ما تريد من قواعد للمرور (أو منع المرور) في المضيق. أما في حال أصبحت الجزيرتان سعوديتين (بغض النظر عن الأسباب) فإن الممر يصبح تلقائيا ممرا «دوليا» بالتعريف، لا تملك مصر (ولا السعودية) قانونا أي سلطة عليه، لا في زمن السلم، ولا في زمن الحرب.

٣ـ وفي حقائق التاريخ: أن ذلك جرى فعلا غير مرة، وأوقفت مصر سفنا غربية كانت تحمل أسلحة ومواد استراتيجية إلى إسرائيل في الخمسينيات من القرن الماضي.

٤ـ وفي حقائق الأمن القومي: أن السيطرة على الممرات البحرية التي تؤمن المسارات التجارية «والعسكرية» هي من أهم العوامل التي تعزز الأمن القومي لأى دولة. ولذلك مثلا نفهم لماذا لا تزال بريطانيا متمسكة بجزر جبل طارق أمام الساحل الإسباني. ولماذا خاضت أحدث حروبها في العصر الحديث (أبريل ١٩٨٢) لتسترد سيطرتها على جزر الفوكلاند المقابلة للأرجنتين على الرغم من أنها تبعد عن الأراضي البريطانية آلاف الأميال.

***

على هامش المسألة برمتها، لا أعرف إن كان هناك من انتبه (أو يعنيه أن ينتبه) إلى أن الإقرار بعدم تبعية الجزيرتين لمصر، يفقد قرار عبدالناصر بإغلاق خليج العقبة (مضيق تيران)، بوصفه «مياها مصرية» أمام الملاحة الإسرائيلية (٢٢ مايو ١٩٦٧) مشروعيته، ويجعل من حق الإسرائيليين مقاضاة مصر ومطالبتها بالتعويض. 

لا أعرف إن كان هناك من انتبه (أو يعنيه أن ينتبه) إلى ذلك. ولكني لا أتصور أن بين المصريين أو بين السعوديين من يريد ذلك؟ 

***

وبعد..

فإلى أي مدى يتصل القرار بشأن الجزيرتين بترتيبات إقليمية جديدة، هناك من يريد أن يفتح الطريق لها، محققا مكسبا استراتيجيا لم ينجح في الحصول عليه بالحرب على مدى عقود من الصراع؟

أو بالأحرى، إلى أي مدى تتصل مسألة الجزيرتين «بصفقة القرن» التي وعد بها ترامب، وأشار إليها الرئيس في حضرته، وتحدث عنها الإسرائيليون بوضوح أكثر من مرة؟ ليس بوسعي أن أقطع بالإجابة، التي ربما يجادلنى فيها (على الرغم من وضوحها كالشمس) هذا أو ذاك من الذين يكتفون بالنظر تحت أقدامهم. ولكني كأي «عربي» حريص على الأمن القومي «العربي» وليس المصري فقط، ليس بوسعي، والشواهد دالة هكذا غير أن أستشعر القلق. وأدق على كل منضدة «عربية» بعلامات الاستفهام. 

رحم الله عبدالناصر (ورفاقه) الذين كانوا يعرفون القيمة الاستراتيجية «للأرض»، وأهمية أن تكون تيران «مصرية»؛ ليس فقط للأمن القومي المصري، بل للأمن القومي «العربي».

…………..

يبقى أن ما ورد في السطور عاليه، كان موضوعا لأكثر من حوار دار بينى وبين عدد من المثقفين السعوديين (الأصدقاء)، والذين من حقهم عليّ أن أنوه هنا بأن اتفاقهم مع ما سبق لا يعبر إلا عن رقي فكري، وانتماء عربي «حقيقي» سما بهم فوق ترهات الاستقطاب وحمق نظرته الضيقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب:


twitter: @a_sayyad
Facebook: AymanAlSayyad.Page



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زارنا آخر أسبوع

المتابعون

أرشيف المدونة

جميع الحقوق محفوظة

كاتوبجي

2016