أثارت جريمة التطبيع مع إسرائيل، التي أقدم عليها الممثل المصري محمد رمضان، خلال تواجده في دولة الإمارات، غضب الشارع المصري، وانهالت الدعوات المطالبة بمقاطعة أعماله الفنية وحتى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
قد يرى البعض أن الهجوم على محمد رمضان به قدر من المبالغة، خاصة أن الموقف الرسمي المصري من إسرائيل لا يعتبرها عدو، بل إن نظام السيسي هو أقرب حليف لـ" تل أبيب"، وبالتالي، فما الداعي للهجوم على ممثل لأنه التقط صورة مع ممثل إسرائيلي طالما أن الدولة المصرية نفسها على وفاق مع إسرائيل، منذ توقيع معاهدة السلام قبل 40 عاما؟
لكن، وهذا ما يجب ان يكون واضحا للجميع: لنا كشعب مصري بل وكشعوب عربية، وللحكومات العربية، ولإسرائيل نفسها، أن الهجوم والغضب ضد محمد رمضان هو دليل جديد على أن معاهدات السلام مع إسرائيل كانت وستبقى وستظل مجرد معاهدات بين الحكومات فقط، لكن المواقف الشعبية كلها ترفض وجود إسرائيل ولا تراها إلا كيان غاصب محتل ومجرم وقاتل.
إن الفن والرياضة يندرجان أيضا ضمن هذه المواقف الشعبية الرافضة لإسرائيل وجودوها، وليس فقط للتطبيع معها، خاصة إذا نظرنا للفن على أنه انعكاس لأحوال الشعوب ورغباتها الحقيقية (ولعل هذا من أهم أسباب فشل الفن في مصر، أنه لا يعبر عن مشكلات القطاع الأكبر من المصريين، وباتت كل الأعمال الفنية ترصد فقط حياة طبقة الكومباوندات والأغنياء فقط).
ورغم ابتعاد الفن في مصر عن آلام الشعب الحقيقية، إلا انه يظل ضمن المواقف الشعبية التي لا يجب ان تخرج عن الاتفاق الشعبي الكاره لإسرائيل.
وإذا كان المصريون مجبرون على السكوت أمام حالة الغرام بين نظام السيسي وإسرائيل، ومن قبله نظامي السادات ومبارك، وغذا كانت الدولة مجبرة على التطبيع مع إسرائيل بسبب اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة "السلام"، فإننا كشعب عربي لسنا مجبرين على السكوت على خيانة فلسطين (أهم قضية عربية) مهما خانها حكام العرب.
إن الشعوب العربية مجبرة على السكوت على خيانات حكامها، ومع تصاعد الفاشية في الحكومات العربية، فإن الشوب العربية تلجأ إلى الصمت على خيانات الحكام خوفا من القمع المتوقع في حالة حاولوا الوقوف ضد هذه الخيانات. لهذا، تصمت الشعوب العربية على المواقف الرسمية للدول العربية فيما يخص التطبيع مع إسرائيل، لكنها لا تسمح أبدا باستدراجها إلى فخ الخيانة، وذلك برفض الشعوب لأي تطبيع في أي مجال آخر خاصة الفن والرياضة والثقافة وحتى العلم.
جزء كبير من الشعوب العربية يعلم تمام العلم ان التطبيع مع اسرائيل في المجالات غير الرسمية مثل الفن والرياضة والثقافة، يكون بامر من الدول وأنظمة الحكم العربية نفسها. ولهذا، فإن رفض الشعوب العربية للتطبيع في حد ذاته يكون رفض لتطبيع الدول العربية، ولكن من باب خلفي.
أي أن الأمر ببساطة كالتالي: الدول العربية تدفع الفنانين والرياضيين وغيرهم للتطبيع من وراء ستار، وعلى الجانب الآخر تقف الشعوب ضد رغبات الدول من وراء ستار أيضا. والأهم في هذه اللعبة أن الرفض الشعبي للتطبيع غير الرسمي يكون عنيفا، ويتطور الرفض إلى السب والشتيمة والإهانة والمقاطعة للفنانين والرياضيين وغيرهم من الذين يقدمون على التطبيع مع إسرائيل.
تكرر هذا الأمر في حالة الممثل المصري محمد رمضان، الذي يمثل في حقيقته صورة طبق الأصل من نظام مصر حاليا، بكل خياناته وانحداره واضمحلاله. لهذا، أقول بإن صورة محمد رمضان مع المغني الصهيوني، هي مجرد انعكاس في المرآة لصورة السيسي مع نتنياهو، لكن الانعكاس جاء متأخرا 6 أعوام عن الصورة الأصلية.
إذا كان هناك متضرر آخر، بخلاف محمد رمضان، من الهجوم الشعبي الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني، فسيكون بالتأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. السيسي كان ينوي القيام ببعض خطوات التطبيع خلال عام 2021، ولكن على مراحل مختلفة وبجرعات مخففة، خوفا من الرفض الشعبي المتوقع. لكن التسرع الإماراتي ومحاولة جر مصر لخطوات تطبيع أسرع، جاء بنتيجة عكسية ومحبطة للرئيس السيسي.