Ali Iane
بالنسبة للإناث صار التعليم فرصة لإثبات الذات على حساب الذكور، الإناث صرن المتفوقات والمتوجات وصاحبات أعلى المراتب، شيء جميل، يمكن للنسويات والليبراليين الاحتفاء بذلك.
لكن لنطرح الأسئلة الأهم:
هل النظام التعليمي موجه للذكور؟ هل يقترب من مشاعرهم وآمالهم وأحلامهم؟ أليس نظاما تعليميا أقرب لنظرة الإناث للعالم؟
كيف يمكننا المساواة بين ذكر يحب أفلام الحركة ويقاتل أصدقاءه في الساحة مع من يفضل الانضباط والترتيب؟
أليس للأمر علاقة بوسائل الإنتاج الرأسمالية؟
اقرأ أيضا: من الأرشيف: تجمّع الفهود السود "Black Panthers" ووفد فلسطيني في المهرجان الثقافي البانافريقاني الأول بالجزائر 1969
لنبدأ أولا بكيفية تأنيث المدارس:
تنقل إلينا كريستينا هوف سامرز توضيحا من كتاب بيغ تاير "المشكلة مع الأولاد" يوضح هذه النقطة. وهو يحكي قصة طفل في الصف الثالث في جنوب كاليفورنيا، يدعى جوستن، والذي كان يحب "حرب النجوم"، القراصنة، الحروب والأسلحة. وقد استدعى أحد المعلمين والديه إلى المدرسة لمناقشة صورة رسمها الطفل الذي في الثامنة من عمره، ورسم فيها مبارزة بالسيف -وضمت العديد من الرؤوس المقطوعة.
وقد عبر المعلم عن "قلقه" إزاء "قيم" جوستن. لكن الأب المندهش من اشمئزاز المعلم من رسمة طفل نمطية، تساءل عما إذا كان ابنه سيحظى في أي وقت برضى شخص لديه القليل جداً من التعاطف مع خيال طفل.
على المعلمين -كما تنصحهم كريستينا- أن يتصالحوا مع روح الشباب الصغار الذكور. وكما يقول فلتشر: "إذا ما أردنا للأولاد أن يزدهروا، فسيكون علينا أن نشجع قراءاتهم المتميزة، وكتابتهم، ورسومهم، وحتى طرائقهم في رواية النكات". وإلى جانب "مجلات التفكير" الشخصية، يقترح فليتشر أن يسمح المعلمون بالخيال، والرعب، وقصص السخرية، والمرح، الحرب، الصراع، ونعم: حتى مبارزات السيف الصارخة الرهيبة.
إذا بقي الأولاد عرضة لعدم الموافقة على اهتماماتهم ومواطن حماسهم بشكل مستمر، فيغلب أن لا ينخرطوا وأن يفكوا ارتباطهم ويتخلفون في الوراء. ولذلك، تحتاج مدارسنا إلى أن تعمل مع، وليس ضد، الخيالات الحركية النابضة للأولاد، باتجاه أن يصبحوا رجالا متعلمين.
اقرأ أيضا: Wallpapergate وول بيبر جايت "ورق الحائط جيت".. أزمة تهدد رئيس وزراء بريطانيا
هذا ما لا يفهمه من يحاول تلطيف نظام تعليمي صار يؤنث التعليم، باستعراض علامات الإناث بالمقارنة مع علامات الذكور المتدنية، فهو لم يخبرنا بأن النظام التعليمي يخدم نظرة فئة ويحارب نظرة فئة أخرى، ولا علاقة للأمر بالذكاء، بل له علاقة بالإخضاع، التدجين، استبعاد الخيال والعناد.
فهل للرأسمالية دور في القصة ؟ هل لوسائل الإنتاج علاقة بذلك؟
كتب كارل ماركس مستشرفا بؤسنا اليومي زمن الرأسمالية في بيانه الشيوعي، أن البرجوازية لا تستطيع البقاء بدون أن تُـثـوِّر باستمرار أدوات الإنتاج، وبالتالي علاقات الإنتاج المجتمعية.
حاجج ماركس أن العمل اليدوي كلما تطـلب قدرا أقل من المهارة و القسوة، أي كلما تقدمت الصناعة الحديثة، ازداد إحلال عمل النساء محلّ عمل الرجال.
من هنا نفهم القصة كاملة.. وعلى عكس أساطير تفوق البنات على الذكور التي تروج لها الهيمنة الثقافية للنظام النيوليبرالي، وبعيدا عن استبطان الوعي النيوليبرالي، فمزاج النيوليبرالية -كما وصفته نانسي فريزر- لا يتماشى فقط مع أعراف الشركات، وإنما أيضا مع التيارات العدائية في الثقافة النيوليبرالية.
هذه السنة ترك مقاعد الدراسة حوالي 300 ألف تلميذ، لا يخبرنا من يروجون لارتفاع معدلات البنات أكثر من الذكور عن النسبة المئوية بين الجنسين في تلك الحالات. وهنا تصبح القضية ليست قضية مساواة، بل قضية جدارة، جدارة من يستطيع، أو من تختاره، الرأسمالية لتنفيذ مهامها.
فالرأسمالية لم تعد تحتاج لطفل مشاغب، بل لفتاة مهذبة وذكية تستطيع الصبر بين جدران غرفة -ترعرعت على الطاعة الذكورية- لقيادة طائرة مسيرة ترسل الموت لأحد فقراء مجاهل العالم.
اقرأ أيضا: لغز إنجيل برنابا.. رواية تاريخية مثيرة للجدل
صدق ماركس في بيانه الشيوعي وكذبت الأساطير النيوليبرالية عن تفوق البنات في المدارس. نحن بصدد تأنيث للتعليم وللوظائف، لوسائل الإنتاج الرأسمالية علاقة مباشرة بكل القصة.