عندما تتفاقم الأزمات بشكل حاد مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والارتدادات الناجمة عنها، من الطبيعي أن تحجب الكثير من التفاصيل. مثلاً، هل لاحظتم أن روسيا لم توجه لأوكرانيا في الفترة السابقة للحرب أي مطالب واضحة؟ بينما قدمت مطالب خطية للولايات المتحدة منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، واشترطت أيضاً رداً خطياً مفصلاً خلال مهلة زمنية محددة.
أشير لهذه النقطة لأن أحد الأصدقاء تساءل عن سبب عدم قبول أوكرانيا بالقبول بالشروط الروسية لإنهاء الحرب. لنضع جانباً التساؤل عما إذا كان من المنطقي أو المقبول أن تتوقع من دولة ما الانصياع لمطالب دولة أخرى لتجنب الحرب، ولكن روسيا لم تعلن قبل الحرب أي مطلب واضح من أوكرانيا. تسلسل التصعيد في الأسابيع الماضية واضح ويمكن العودة إليه.
لماذا لم تقدم روسيا لأوكرانيا مطالب واضحة بشكل خطي كما فعلت مع الولايات المتحدة، وتطالبها بالرد الواضح خلال فترة زمنية؟ الشروط الروسية للولايات المتحدة - وهي معلنة بالمناسبة - لا تركز على أوكرانيا. هي ثلاثة شروط: سحب الأسلحة النووية الأميركية من أوروبا، وسحب قوات الحلف غير الوطنية من دول شرق أوروبا (أي سحب القوات الأميركية والبريطانية وغيرها من دول البلطيق وبولندا ورومانيا وغيرها) ومناقشة مستويات التسلح والترتيات الأمنية بين الولايات المتحدة وروسيا. وهذه الشروط لا رأي أو سلطة لأوكرانيا عليها.
وفي السياق الأوسع، لماذا فوتت روسيا على نفسها استخدام حشد قواتها المسلحة لإطلاق إنذار واضح لأوكرانيا باتخاذ موقف واضح - حول أي ملف - خلال مهلة ما؟ هذا ما يعرف في السياسة باسم تقديم إنذار (Ultimatum) تحت طائلة التهديد بعمل عسكري، كما فعلت الولايات المتحدة مع العراق عندما أمهلته ستة أسابيع للانسحاب من الكويت تحت طائلة العمل العسكري وكما فعلت في 2003 عندما أمهلت صدام حسين وولديه مهلة 48 ساعة لمغادرة العراق.
هناك الكثير من الأمثلة التاريخية لاستخدام القوات المسلحة بهذا الشكل. ولكن روسيا لم تستخدم هذا الخيار ضد أوكرانيا بل بقيت تصر حتى الأيام القليلة السابقة بأنها لا تنوي القيام بأي عمل عسكري ضد أوكرانيا. من المفيد تذكر كل هذه التفاصيل لمن يرغب بفهم سياق الحرب ومسارها المقبل.