عبدالرحمن كمال
- أول وأهم عورة كشفها انقلاب 30 يونيو وحكم السيسي طوال 7 سنوات، أن اليسار المصري معرض (وبرخصة) -إلا من رحم ربي، وقليل ماهم-، كل ما اتهموا به مرسي من العمالة (بسبب خطاب عزيزي بيريز الذي أصبح لبانة على ألسنتهم) ارتكب السيسي أضعاف أضعافه على مر 7 سنوات من الانقلاب (تطبيع علني ومقابلات مصورة مع نتنياهو، تفريط في أرض مصر ومياه مصر وسيادة مصر وغاز مصر، تعاون عسكري مع الصهاينة في سيناء، تهجير أهل سيناء لتمرير صفقة القرن، تدمير اقتصاد مصر بقروض وديون وصفقات سلاح، رهن مصر للبنك الدولي وصندوق النقد).
السيسي وجيشه فعلا كل ذلك ولم نسمع لأي يساري مصري صوتا، ولم نسمع أي اتهام من اليسار المصري للمؤسسة العسكرية بالعمالة والخيانة والتصهين على غرار ما فعلوه ويفعلوه من اتهامات ضد الإسلاميين ليل نهار بالعمالة والخيانة، رغم ان خيانة وعمالة المؤسسة العسكرية أمر واضح للأعمى.
اقرأ أيضا: الفترة الثانية للسيسي.. نحو مستقبل أكثر إظلاما (11 توقع عن الخراب المنتظر)
- العورة الثانية التي كشفها الانقلاب أن أكبر عدو للديمقراطية في مصر وعالمنا العربي، هم أكثر المتشدقين بها والمتحدثين باسمها، والكلام عن ما يعرف باسم التيار المدني، أو الليبراليين والعلمانيين.
حديث هؤلاء عن الديمقراطية مجرد أضغاث أوهام، هم يرحبون بالديمقراطية التي تحملهم هم فقط إلى المناصب، أما الديمقراطية التي تحمل غيرهم، يتعاملون وقتها معها على أنها صنم عجوة يأكلونه عند أول فشل.
ترامب رغم كل ما يُشاع عنه في الإعلام الأمريكي من كوارث ومساوئ حتى في ظل فشله في ملفات عديدة أهمها مواجهة كورونا، لم نر أي حديث جدي عن حتمية رحيله والانقلاب عليه، واقصد حديث جدي بأن المطلب صار حتميا وأن الأمور لن تستقر إلا برحيله مثلما حصل في 30 يونيو 2013.
ورغم أن مواقف البنتاجون تبدو مناهضة لترمب، ورغم أن المؤسسة العسكرية هي الأقوى في أمريكا وأحد الضلعين الحاكمين مع الشركات، إلا أنها لم تطرح أو تلمح من قريب أو من بعيد إلى إمكانية الانقلاب على ترمب لأي سبب، ولم تتماهى مع بعض المطالبات المنتشرة بإرغام ترمب على الرحيل، لسبب واحد ووحيد، وهو أن الانقلاب على ترمب سيعني شهادة وفاة النموذج الأمريكي في شقه السياسي "الديمقراطية"، بعد فشل الشق الاقتصادي "الرأسمالية".
ورغم أن الليبراليين والعلمانيين متيمون بالنموذج الغربي والأمريكي على وجه الخصوص، إلا أنهم كانوا أول من انقلب على هذا النموذج (كانقلاب أمريكا على الديمقراطية التي تروج لنشرها في دول العالم) وقبلوا أن يكونوا كوبري للعسكر وعودة الحكم العسكري رغم زعمهم انهم دعاة للمدنية، قبلوا أن يكونوا محلل للانقلاب على التجربة الديمقراطية الوليدة، وهم يزعمون أنهم وحدهم المدافعين عن الديمقراطية والمطالبين بها.. كشف الانقلاب عورتهم وفشلهم.
اقرأ أيضا: سد النهضة.. البداية الفعلية لتفتيت مصر
- العورة الثالثة التي كشفها انقلاب 30 يونيو هي حالة الخواء السياسي التي يعانيها عدد كبير من النخبة المثقفة، مثل بلال فضل (يعلم الله كم أحببت بلال الكاتب والمثقف وكم كان له دور كبير في تكويني ثقافيا، لكني صدمت من موقفه المدافع عن الانقلاب حتى بعد حدوثه وحتى اللحظة، وهو الذي حدثنا كثيرا عن انقلابات تركيا العسكرية ومصطلح الدولة العميقة التي أسماها هو الدولة الغويطة).
كل هذا الكم من الثقافة والقراءة والاطلاع على تجارب الأمم، ورغم ذلك لم يتمكن هؤلاء من رؤية الحقيقة الواضحة كالشمس، وهي أن 30 يونيو هدفها الوحيد القضاء على المكسب الوحيد من 25 يناير، وهي أحقية الشعب في اختيار من يحكمه.
انقلب بلال فضل (كنموذج) على كل ما حدثنا عنه من قراءات وتجارب للأمم، رغم تشابه الظروف بين الحالة المصرية وحالات الانقلابات التركية وانقلاب تشيلي، ولم تشفع له كل ثقافته في اتخاذ الموقف الصحيح، ولعل السبب في ذلك أن بلال مجرد كاتب مثقف مطلع، لكنه سياسي فاشل، بنفس الفارق الكبير بين النظرية والتطبيق، هو يقرأ كثيرا وبنهم، لكنه سياسيا لا يختلف كثيرا عن كل المصريين الذي تم تجهيلهم سياسيا، لهذا كان رهانه الخاطئ على 30 يونيو التي دفع هو أيضا ثمنها بالهروب إلى الخارج خوفا من البطش والقمع، بعد أن لبسنا فيه (كلنا نتذكر مقاله :ليس انقلابا بعد:، ولا نعرف بالضبط متى يمكن اعتبار ما حصل انقلابا؟ ومن أين أتى بلال بحكمه على 30 يونيو بأنها ليست انقلابا؟ من اي قاموس سياسي؟ طيب من أي تجربة من التجارب التي اطلع عليها؟).
بلال فضل (اخترته بسبب تتلمذي على كتاباته ومقالاته وبرامجه ولكونه سببا إضافيا في محبتي للقراءة، انا وكثير من أبناء جيلي، وعلى قدر محبتي كانت صدمتي من موقفه في 30 يونيو، وإن كان بلال نفسه أول من حدثنا عن ثقافة عدم تقديس الأشخاص، ولعلها ما ساعدني في تجاوز صدمة موقفه من 30 يونيو، بل ونقده بشكل يبدو عنيفا كما هو حاصل الآن) مجرد مثال للنخب التي اصطفت مع 30 يونيو ودعت لها وحرضت عليها، بل ودافعت -ولاتزال- عنها، رافضين حتى الاعتراف بانهم تم استخدامهم بشكل مخزي من أجل قتل التجربة الديمقراطية الوليدة وفشلهم سياسيا رغم كونهم عمالقة ثقافيا (من مظاهر ضعف مواقف بلال السياسية انجرافه لحالة الانبهار العام بالمقاول محمد علي والحديث عن خدعته وكأنها الخلاص من حكم السيسي في الظهور الأول لمحمد علي أواخر العام الماضي، أن يكون هذا الانبهار من شباب محبط غير مطلع ثقافيا غير واعي سياسيا هو أمر مقبول، لكن أن يكون من واحد من أهم كتاب ومثقفي مصر في آخر 30 سنة فهو أمر جلل) ربما أكون خصصت بلال فضل بكثير من النقد الذي يبدو شخصيا، لكن على قدر المحبة تكون الصدمة.
اقرأ أيضا: بصمات صندوق النقد في جريمة "الوراق"
- العورة الرابعة التي كشفها انقلاب 30 يونيو هي تأكيد جديد على ان الإخوان لا يزالون على نطاعتهم ومواقفهم المخزية، حتى اللحظة لم نعرف بالضبط ما حدث طوال عام من حكمهم، لا نعرف ماذا حصل في الغرف المغلقة، لا نعرف تفاصيل صفقاتهم مع العسكر من يوم 11 فبراير 2011 وحتى اللحظة (الصفقات لا ولم ولن تتوقف) لم يصدر عن الإخوان أي اعتذار عن الأخطاء التي ارتكبوها طوال السنوات الماضية، ولو حصل وأصدروا بيانا، يكون لتلميع صورتهم وتحميل كل الأطراف الأخرى سبب فشلهم كالبيان الأخير المنشور في عربي 21، لم نقرأ بيان واحد يقول أننا أخطأنا في كذا وكذا وأبرمنا صفقات مع العسكر بشأن كذا وكذا.
الأدهى والأمر أن الإخوان حتى اللحظة لم يصدروا بيانا يهاجم الدور الأمريكي في انقلاب 30 يونيو مثلا، بل حتى هذه اللحظة لا يزالون يأملون خيرا في أمريكا، ولهذا كانوا يراهنون ويأملون نجاح هيلاري كلينتون (وكأن الانثقلاب مثلا حصل في عهد رئيس جمهوري) ووصل الأمر بأحد قادة الجماعة (جمال حشمت) أن يلتقط الصور وهو يرفع شارة رابعة من أمام شعار وباب الكونجرس الأمريكي!! لم تعلن الجماعة الكفر بأمريكا، وتكتفي فقط بالحديث عن علاقات السيسي بالعدو الصهيوني، كنوع من ذر الرماد
لا تزال جماعة الإخوان تأمل في أمريكا أن تعيدهم إلى الجنة التي سبق طردهم منها، الإخوان هدفهم العودة ليوم 29 يونيو 2013 (ما قبل 30 يونيو) وليس العودة ليوم 10 فبراير 2011، ولا يزالون منتظرين.