السودان: ماذا يحدث؟
قراءة سريعة في الاشتباك المسلح بين الجيش والدعم السريع (ميليشيا)
تبدأ الأحداث الراهنة مساء يوم الأربعاء، حين نشرت قوات الدعم السريع عناصرها في مدينة مروي، مبررةً وجودها أنه استمرار لمهمتهم في محاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات.
كردٍ على الخطوة، صدر بيان يوم الخميس، حثَّ فيه المتحدث باسم الجيش السوداني قائد قوات الدعم السريع (ميليشيا #الجنجويد سابقا) الجنرال حمدان دقلو (#حميدتي) على سحب قواته المنتشرة دون أي اتفاق في مروي، وهي مدينة حضارية في الولاية الشمالية تقع على بعد حوالي 210 كيلومترًا من الخرطوم.
وقد حذر الجيش السوداني في بيان الخميس من احتمال حدوث اشتباكات مع قوات الدعم السريع "القوية" بسبب نشر قواتها ليس فقط في مروي لكن في العاصمة ومناطق أخرى دون موافقة الجيش.
في ظلّ هذا الخلاف، احتجز بعض عناصر الجيش القوات للدعم السريع في مروي، دون أن يوافق هؤلاء الأخيرين على الإخلاء
تجدر الإشارة إلى أن التوتر قد تصاعد بين الجيش وقوات الدعم السريع في الأشهر الماضية، مما أدى إلى تأجيل توقيع اتفاق دولي مدعوم مع الأحزاب السياسية لإحياء التحول الديمقراطي في البلاد.
أسباب وحقيقة الخلاف بين الطرفين
يعود التوتر الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى خلاف حول كيفية دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش والسلطة المشرفة على العملية. على رغم أن أصل التنافس بين الجيش والميليشيا يعند إلى حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي أطيح به عام 2019.
حيث نشأ الدعم السريع بقيادة حميدتي من الميليشيات السابقة المعروفة باسم الجنجويد.
وكحال الجيش والميليشيا في الدول العسكرية تثور حين تتعرض امتيازاتهم للخطر. لذا أجرى الجيش وقوات الدعم السريع انقلاباً في أكتوبر 2021 أطاح بالتحول الديمقراطي للسودان.
لتظهر التوتر بين الجانبين بشكل واضح في الأشهر الأخيرة، مع تصريحات علنية متضاربة ووجود عسكري كثيف للأطراف بالخرطوم.
عودةً إلى الاشتباك المسلح لليوم
بدعوة من الأحزاب السياسية والمبعوثين الدوليين، -بعد تصعيد الخميس الماضي- دعا الجيش وقوات الدعم السريع إلى حل القضايا المعلقة، المتعلقة بالأمن وإقامة جيش موحد ومحترف يتحمل المسؤولية أمام حكومة مدنية.
استجابة مع التصعيد، أعرب العديد من المواطنين عن قلقهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودعا حزب الأمة الوطني السوداني -أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد- إلى ضبط النفس وحث جميع القوى السياسية على عدم تصعيد الوضع.
بل عقد الحزب اجتماعاً طارئاً صباح الخميس مع ممثلي الجيش وقوات الدعم السريع وكبار الشخصيات السياسية، لكن لم تظهر تفاصيل فورية بعد الاجتماع.
ليستيقظ السودانييون اليوم -15-4-2023- على اشتباك مسلح عنيف بين الجيش السوداني، وميليشيا الدعم السريع، شملت مطار مروي الجوي الذي يضم عناصر من الجيش السوداني والمصري، واشتباك على تخوم القصر الرئاسي، مقر قيادة الجيش والمطار في الخرطوم العاصمة.
الخاتمة: الدرس لمنطقة الساحل
في طلّ الصراع المحتدم بين الطرفين للاحتفاظ على امتيازاتهم، تأثرت آمال الشعب السوداني في التحول الديمقراطي بعد الانقلاب الذي وقع في 2021 والذي أطاح بإدارة تتقاسم السلطة بين الجيش والسلطة يُرجى أن تنته بعودة الجيش إلى ثكناته وتسليم السلطة للمدنيين. حيث الانتفاضة الشعبية التي استمرت لعدة أشهر هي التي أدت بالجيش للالإطاحة بالبشير في أبريل 2019.
ومنذ ذلك الحين، الخاسر الأكبر هو الشعب السوداني، بينما يعمل كل طرف من الجيش وميليشيا الدعم السريع على تثبيت أركان حكمه الخاص بما يحفظ مكاسبها وامتيازاتها، وما كان السودان ليصل هنا اليوم لولا قرار رئيس دموي كالبشير - الذي تطالبه المحكمة الجنائية لارتكابه جرائم في دارفور- بتشكيل ميليشيا قبلية وسلّحها تقتل وتقيم المجازر ولا تحكمها قوانين ولا نظام كما في الجيش الرسمي وارتكبت جرائم تفوق تصور الانسان.
وهذا يذهب بنا إلى منطقة الساحل، حيث يتم تأسيس قوات دفاع عن النفس لحماية الذات والمناطق المحيطة، قد تصل بها الحال يومًا إلى تهديد وحدة ونظام الجيش النظامي.
تكمن الإشكالية أنّ تشكيل أي قوّة للدفاع الذاتي، دون ضوابط أن تتحول مع الوقت إلى ميليشيا تتدخل في شؤون الجيش، لأنّ التاريخ أثبت أن أية قوة تعودت أن تأخذ حقها بقوة السلاح لن تتخل عنه بسهولة.
نتيجة ما سبق، أنا مفرط التحفظّ على تشكيل ما يسمى قوّات الدفاع عن الذّات- وإن كنت لا أنفي ضرورتها أحيانًا أمام تخاذل السلطة لحماية القبائل ضد الإرهابيين والجريمة المنظمة- لأنّ مثل هذه القوة كصندوق باندورا، بعد تشكيلها يصعب السيطرة عليها.
إدريس آيات- قسم العلوم السياسية- الكويت
*السودان: ماذا يحدث؟
-قراءة سريعة في الاشتباك المسلح بين الجيش والدعم السريع (ميليشيا)
تبدأ الأحداث الراهنة مساء يوم الأربعاء، حين نشرت قوات الدعم السريع عناصرها في مدينة مروي، مبررةً وجودها أنه استمرار لمهمتهم في محاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات.. pic.twitter.com/EZnd2fjlfL