Ali Iane
تهميش المواد الأدبية في المغرب ليس استثناء، أتذكر نصيحة رئيس الوزراء الجزائري الذي نصح الطلبة بالعلوم البحتة بدل المواد الأدبية، حينها أحدث تصريح الرجل ضجة كبيرة .
القصة لا تخص دولا طرفية كالمغرب والجزائر وحدهما، بل حتى الدول الرأسمالية الكبيرة، كالصين وأمريكا ودول أوروبا، تشجع المواد العلمية البحتة على حساب المواد الأدبية.
قبل عقود توقع "هايدغر" أن زمن الفلسفة سيمضي تاركا المكان للسبرنيطيقا (فن التحكم والتوجيه)، وهو الوحش الذي تمخض عن رحمها وانقلب عليها كوحش فرنكنشتاين، لندخل عصر ما وصفه "هايدغر" بالإمبريالية الكوكبية للإنسان المنظم تقنيا.
اقرأ أيضا: لماذا علامات الإناث المدرسية أعلى من الذكور؟
فمنذ الثورة الصناعية ظهرت احتياجات أخرى للإنسان الأوروبي، التي صارت احتياجات باقي البشر بسبب العولمة. فبدأت العلوم البحتة تعلن القطيعة تلو الأخرى مع الفلسفة باعتبارها أم العلوم، لتتحول الكينونة المادية الحية إلى موضوع للعلم والفيزياء، والكينونة المادية الحية إلى موضوع لعلم البيولوجيا، وقبلهم جميعا كانت الرياضيات قد استقلت بذاتها جاعلة موضوع الكم مجالا خاصا بها.
هذا الانقلاب انعكس كذلك على المواد التابعة للفلسفة على غرار الأدب وباقي مواد العلوم الإنسانية، وجهة العالم اليوم صارت صوب التقنية، الذكاء الاصطناعي، هذا الأخير جعل الصناعة اليوم أبعد عن مفهوم الصناعة الذي جاءت به الثورة الصناعية.
في مقابلة مع المدير التنفيذي لشركة ديملر بنز (مرسيدس بنز)، قال بأن منافسي شركته لم تعد شركات سيارات أخرى وإنما "تيسلا" وجوجل وأبل وأمازون، وأما الآخرون فهم المنافسون الدائمون الثلاثة: الموت والضرائب والتغيير.
اقرأ أيضا: سد النهضة.. البداية الفعلية لتفتيت مصر
هذه القراءة الحقيقية التي تمنح المرء جوابا حقيقيا عن سبب تهميش العلوم الإنسانية وإعطاء الأولوية للعلوم البحتة. عالمنا لم يعد تقليديا، نحن نعاصر ثورة أخرى، بعد الكوبرنيكية والداروينية والفرويدية، نحن نعيش الثورة الصناعية الرابعة وهي التسمية التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في عام 2016م .
تحتاج هذه الثورة اجتهادات وابتكارات في فلسفة الإنفوسفير (الغلاف المعلوماتي) وليس التباكي على تهميش المواد الأدبية لأن العالم فعلا يحبذ التقنيين. المواد الأدبية اليوم يجب أن تبتكر خارج المؤسسات الرسمية شروط بقائها، وهي المقاومة.