لينا الحسيني
بعد انهيار الحكومات اليسارية في أمريكا اللاتينية إثر تفكّك المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي، وإعلان نهاية ما كان يسمى سابقًا بالمد الأحمر. عاد شبح الشيوعية ليقلق راحة الأنظمة النيوليبرالية التي أثبتت فشلها في مواجهة جائحة كوفيد-19 في الدول الأكثر تضرّرًا من الوباء وعواقبه الاقتصادية في العالم.
من بوليفيا التي أطاحت بالانقلابيين واستعاد فيها اليسار رئاسة البلاد الى البيرو التي فاز فيها أستاذ المدرسة الريفية النقابي الماركسي بيدرو كاستيلو مطيحًا بالمرشحة اليمينية كيكو فوجيموري المدعومة من واشنطن، الى حركات التمرّد ضد الأنظمة السياسية في كولومبيا والبرازيل احتجاجًا على الأوضاع الكارثية التي تشهدها تلك البلاد نتيجة السياسات النيوليبرالية التي تحكمها.
اقرأ أيضا: بصمات صندوق النقد في جريمة "الوراق"
تعود تشيلي لتتصدّر المشهد السّياسي في أميركا اللاتينية، تحضيرًا للانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني ٢٠٢١ وما ستحمله من نتائج قد تحدث انقلابًا سياسيًا جذريًا، بعدما تمكن فقراء البلاد من الإطاحة بدستور البلاد القديم أو كما وصف بدستور الأثرياء في تشرين الأول ٢٠٢٠ ودفنوا معه كل موروثات عهد أوغوستو بينوشيه البائد.
يواجه التشيليون تحديًا سياسيًا مصيريًا، ستؤدي نتائجه إما الى قلب الموازين وإحياء خطاب الرئيس اليساري سلفادور ألليندي الذي انطفأ في بداية السبعينيات (١٩٧٣). وإما الى استمرار سياسة رهن البلاد لإرادة الشركات العابرة للقارات ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب المستمرة منذ عقود.
تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح الشيوعي دانيال حذوة، الذي تعود أصوله الى بلدة بيت جالا الفلسطينيّة على بقية المرشحين وجلّهم من رجال المال والأعمال.
يتولى دانيال حذوة منصب عمدة مدينة ريكوليتا الواقعة في شمال مقاطعة سانتياغو، منذ العام ٢٠١٢. وهو من الشيوعيين القلّة الذين يشغلون مناصب فاعلة في تشيلي بعد الحظر الذي مورس عليهم وتقييد انخراطهم في الحياة السياسية منذ عقود.
درس الهندسة المعمارية وعلم الاجتماع وانخرط باكرًا في الأنشطة السياسية، فكان المنسق لمنظمة الشباب الفلسطيني في أميركا اللاتينية حتى العام ١٩٩٣ حين انتسب الى الحزب الشيوعي التشيلي الذي رشّحه للرئاسة في نيسان الفائت.
يواجه المرشح التقدمي أعداء شرسين مدعومين من عالم المال والأعمال يحاولون جاهدين تشويه سمعته عبر اتهامه بمعاداة السامية لأنه من دعاة مقاطعة المنتجات الصّهيونية. خاصة وأنه زار فلسطين مرّاتٍ عديدة مؤكدًا في عدة مقابلات أنّ فلسطينية المغترب لا تتمثّل في أكل الطعام الفلسطيني ورقص الدبكة، بل في تحديد مكانه من جدار الفصل العنصري.
كما يعمد خصومه الى بثّ المخاوف من عودة شبح الشيوعية وتحويل تشيلي الى فنزويلا جديدة. وقد ردّ الحذوة على تلك المخاوف بقوله إنّ اليمين النيوليبرالي المستمر في الحكم منذ عقود، هو المسؤول عن الكارثة الحالية في تشيلي وليست الشيوعية.
اقرأ أيضا: هل تفلس الدول.. الأرجنتين 2001 نموذجًا؟
وصف برنامجه الرئاسي المؤلف من أكثر من ٢٠٠ صفحة بالكتيب الشيوعي، يتمحور حول تعديل النظام الضريبي، وتحجيم امتيازات الشركات المتعددة الجنسيات وفرض ضرائب على المستثمرين الأجانب وتأميم قطاعات إقتصادية حيوية وتفعيل معاشات التقاعد.