ابتداءً من ٢٠١٣ وبالتزامن مع خطة الجيش لإزاحة الإخوان، انهاء الديموقراطية في مصر والعودة للحكم العسكري وتثبيت عبد الفتاح السيسي كرئيس للجمهورية، بدأ ينتشر بسرعة في السوشيال ميديا مصطلح "شمامين الكلّة" لوصف مجموعة مبهمة ومتنوعة من المصريين المعارضين للي بيحصل واللي بيوصفوا الأحداث كانقلاب عسكري.
المصطلح ده كان بيستهدف بالتحديد الناس اللي في الموقف ده واللي خلفياتهم الآيدولوجية بعيدة عن الإسلام السياسي والإسلاميين بل وممكن يكونو أعداء للتيار الإسلامي أصلاً، تيارات مدنية، ليبراليين، يسار، تقدميين، حقوقيين من مختلف القناعات والمواقع في تياراتهم بيحذروا من خطورة استخدام العنف ضد الإخوان أو هدم المسار الديموقراطي عشان شايفين ان نتايجه هاتكون مدمرة للمجتمع المدني عموماً وأوضاع حقوق الإنسان في مصر إجمالاً وهاتضر في النهاية كل المصريين، أو ناس بسيطة مالهاش في السياسة بس ضد السجن والقتل في الشوارع والحلول السياسية دي.
الفئة دي بالنسبة للجيش على ما يبدو كانت خطيرة جداً وكان لازم تشويهها قدام عموم المجتمع أو الرأي العام الغير مسيّس بقوة وكان لازم تشويهها يحصل بالطريقة المبتذلة جداً دي عشان أسباب كتير، عاوز أناقش منها سببين محوريين من وجهة نظري.
اقرأ أيضا: لننهِ أسطورة البقرة المقدسة: جيش كامب ديفيد
أولاً: الجيش كان عاوز يحتكر معركة "مواجهة الإخوان" ويقدمها باعتبارها معركته الوطنية ليه لوحده واللي دوره فيها هو المنقذ الأوحد عشان ده رأس المال السياسي الأساسي والمبرر العاطفي المحوري لعودة الجيش للحكم وترسيخ صورته التاريخية المقدسة كشئ شبه إلهي مش مجرد مؤسسة محترفة بتشتغل وفق ضوابط دستورية وخاضعة لمحاسبة القانون.
قبل ٢٠١٣ كان في معركة مفتوحة بين الإخوان والتيارات المدنية وكان في كذا ند وكذا ساحة للتنافس، جزء انتخابي وجزء ثقافي وجزء إعلامي وجزء عقائدي، فكان لازم الجيش يحييد الأعداء التانيين للإسلاميين حتى لو كانو نظرياً حلفائه عشان يبان في نظر أغلبية الشعب بطل فعلاً واجه لوحده وحش عملاق وانتصر عليه عشان خاطرنا، الجيش كان عنده الأسلحة الإعلامية اللي يقدر يعمل بيها ده، والأسلحة المادية اللي يقدر يجبر بيها باقي مؤسسات الدولة على تنفيذ الهدف ده حتى لو كان ده شئ مش دستوري ومش قانوني ومش في صالح المجتمع ككل.
ثانياً: اليساريين والتقدميين والحقوقيين مرتبطين في أذهان الناس تاريخياً بصورة الناس النخبويين الأغنيا المتعلمين اللي بيتكلموا انجليزي وبيشربوا خمرة ومنعزلين عن الواقع المصري ومتعاليين على عموم الشعب وبيقرفوا منه وبيتكلموا كلام مجعلص ما بنفهمش منه حاجة وفلسفة فارغة وخلاص.
الصورة دي كان سهل تترسخ أكتر لأن الدولة كانت بتحبس وبتقمع أي تيارات مدنية أو يسارية أو تقدمية قريبة من الناس أو بتشتغل شغل حقوقي فعّال على الأرض مع العمال أو في الأحياء الشعبية وبتسيب المنظرين الفشلة المهرجين بتوع وسط البلد لأنها عارفة انهم غير مؤثرين بل بالعكس همّا نماذج منفرة للأفكار دي، وبتسيب طبعاً الإسلاميين وقت ما تحتاجهم لتخويف الناس أو لتخويف الغرب أو لرشوة الغرب.
الفترة الوحيدة اللي الصورة النمطية دي عن المعارض المدني أو المثقف عموماً اتغيرت كانت فترة ٢٠١١ لـ ٢٠١٣ اللي الناس فيها لأول مرة بدأت تحس بالانتماء لتيارات فكرية متنوعة غير ثنائية فراغ الدولة أو راديكالية الإسلام، وعشان كدة شعبية الدولة والإسلاميين سقطت بسرعة رهيبة في الفترة دي لما البدائل ظهرت وشعبية التيارات التانية المدنية تضاعفت أول ما اتسابت تتحرك بحرية.
خلونا نفتكر ان التيارات المدنية الليبرالية حصدت تاني أكبر كتلة كراسي في البرلمان بعد الثورة مباشرة والبرنامج الأكثر شعبية في التليفزيون المصري كان برنامج "البرنامج" - الند الثقافي والإعلامي المدني لإعلام الإخوان المسلمين، دي في رأيي كانت معجزات ومفاجأت مدهشة بعد سنوات التجريف دي كلها والزن في الميديا على ان التيارات المدنية مش جاهزة التيارات المدنية مش جاهزة، لكن اتضح ان الشعب كان عنده تعطش للتيارات دي ورغبة في ان دورها في السياسة يبقى حقيقي وملموس وكان لازم تفطيس التعطش ده ووأده في مهده عشان المرحلة اللي جاية مايكونش فيها صوت غير صوت الجيش.
اقرأ أيضا: كيف يُقلِل الثرء التعاطف مع الآخرين؟ ولماذا الفقراء أكثر شفقة على المحتاجين؟
الترويج للتيارات المدنية باعتبارها تيارات "مغيّبة" و "منفصلة عن الواقع" و"شمامين كلّه" كان سهل في ٢٠١٣ لأن خطابهم بالنسبة لغالبية المصريين اللي مصدرهم لتكوين الرأي السياسي هو خطاب الدولة كان حاجة أشبه بالخيال العلمي.
واحد المفروض تقدمي وعلماني يعني بالنسبة للإخوان هو دمه حلال أصلاً، بيطالب بإن عزل الإخوان يتم في إطار القانون والدستور وبطريقة ديموقراطية عشان حاجات كدة مش فاهمين هي إيه بالظبط.
وعلى الجانب الآخر صوت عمّال بيجعر في ودان المواطن "احنا وهمّا" و"مصر بتتحرأ" و"قوم يا مصري عشان نعدم الإخوان". اعلام الجيش بسط المعادلة جداً، ده مركوب وده راكب، ده متني وده راجل، ده مفعول به وده فاعل، يبقى أنا مع الفاعل على طول حتى لو هايفعل فيا أنا شخصياً بعد شوية.
الشعور اللي كان سايق وسايد لحظتها كان رغبة عارمة في التشفي والتلذذ بمنظر الإخوان وهمّا مذلولين أكتر من أي حاجة تانية وكأن ده العلاج من حالة الهلع اللي أصابو الناس بيها في السنة بتاعتهم، والحقيقة ان الشعور ده ما بدأش مع الإخوان، الشعور ده بدأ في الأيام الأولى لتنحي مبارك بتشيت الناس عن الأهداف التنظيمية وأولويات بناء الدولة والتشويش عليها بقصص مليارات مبارك اللي في البنوك ومشاهد المحاكمات وحواديت السجون والنميمة وجو المسلسلات العربي ده.
محاولة شرح القيمة الاجتماعية والمصلحة اللي هاتحصل لما عزل ومعاقبة الإخوان يبقوا في إطار القانون وبإيد المجتمع مش بإيد الجيش رغم بديهيتها كانت فكرة مضحكة وهي حواليها طبول الحرب وجنازير الدبابات وتسلم الأيادي والناس اللي بتطلع في التليفزيون تتكلم عن كهربة ميدان رابعة عشان الناس كلها تموت مصعوقين أو فتح المجاري عليهم أو الكلام اللي من النوع ده.
الحشد كان لمشاعر الناس البدائية في اتجاه الكراهية فقط وحمى الانتقام، وعشان كدة كان لازم يكون في تسمية بسيطة جداً ومختزلة لكل التعقيدات الفلسفية والأكاديمية اللي الناس متعودة تسمعها من اليسار أو التقدميين، تسمية بسيطة في مستوى الطالب المتوسط، حاجة فعلاً شبه الأسماء اللي كانو بلطجية الفصل بيطلعوها على الطالب الدحيح عشان يكسروا احترامه في المدرسة ويحيدوه كمنافس محتمل أو نموذج ممكن يبقى له وزن في المكان أو حضور يطغى على حضورهم ويكشف جهلهم وفشلهم.