مصطفى خليل
رغم انهيار المشروع امبارح لكن أنا شايف من المهم نكمل في الحوار ده لإني لسه ملاحظ إن فيه مشجعين مصريين وعرب مش فاهمين ليه جماهير أنديتهم في إنجلترا كانت ضد المشروع وتسببت في إفشاله.
جماهير الأندية الكبيرة في أوروبا طبيعتهم مختلفة عن مشجعين الأندية دي في الخارج. اللي بيشجع ليفربول أو سيتي أو تشيلسي في انجلترا اختار تشجيعه لأن النادي ده يمثله قيمة معينة.. ممكن تكون انتماء طبقي (شيفيلد يونايتد مثلا نادي العمال وشيفيلد وينزداي نادي الطبقة الوسطى) أو انتماء جغرافي (نيوكاسل وليدز وليستر مثلا مدن ملتفة بالكامل حول أنديتها) أو انتماء ديني (رينجرز الاسكتلندي نادي البروتوستانت وسيلتيك نادي الكاثوليك) أو انتماء وطني (الأيرلنديين المقيمين في إنجلترا كلهم بيشجعوا ليفربول) أو انتماء عائلي (سيتي أو يونايتد في مانشستر و ليفربول أو إيفرتون في ليفربول تشجيعهم بييجي عادة وراثة من العيلة).
عشان كده الناس دي مش زي المشجعين اللي عندنا اللي كل همهم بيكون إنهم يشجعوا فريق بيكسب كتير عشان يقدروا يحفلوا على مشجعين المنافسين.
الجماهير في إنجلترا بتعتبر الانتماء الكروي دي مسألة مبدأ زي الدين كده، فتلاقي ان نادي بيكون نزل درجة تانية خلاص ورايح يلعب ماتش في وسط الأسبوع بالليل مالوش تلاتين لازمة خارج أرضه على بعد ٥٠٠ كيلو وواخد وراه ٤٥٠٠ مشجع وفيه قدهم تلات مرات ممكن يروحوا لو فيه تذاكر. بالنسبة للمشجعين دول.. الموضوع مش بس الماتش.. الرحلة نفسها بكل ما فيها من أكل وشرب وغنا وانبساط وضحك هي الهدف. الصوت اللي بيعملوه في مدرجات ملعب المنافس واليفط اللي بيرفعوها مش مجرد تشجيع للعيبتهم عشان يكسبوا ماتش مش هتفرق نتيجته في حاجة.. دي بتبقى تعبير عن هويتهم وانتماءهم والقيم اللي في اعتقادهم بيمثلها فريقهم. بتبقى رسالة للي قدامهم في الملعب إن إحنا جايز نكون هبطنا لكننا فخورين بفريقنا وانتماءنا وهنعرف ده للعالم كله ومش مستعرين منه.
طبعا ده لا يعني إن الجمهور مبيحبش يكسب، لكن المكسب مش كل همه. لو كان الجماهير في إنجلترا كل همها المكسب بس كنتم لقيتوا انجلترا زي مصر كده مفيهاش غير ناديين تلاتة اللي ليهم جمهور والباقي ديكور.
جماهير الأندية الكبيرة في انجلترا بتشترك مع الصغيرة في الحاجات دي. أنا مثلا كمشجع بيسافر كتير ورا ليفربول في بعض مبارياته الأوروبية بابقى مترقب قرعة دوري الأبطال كل سنة عشان أعرف هنروح فين المرة الجاية، وبابقى متحمس كل ما نروح بلد جديدة زي بورتو أو نابولي أو روسيا أو أوكرانيا، لأن الرحلات دي بتبقى فرصة للاحتكاك بجماهير وملاعب وتقاليد كروية مختلفة، ودايما بنشوف فيها حاجات جديدة وتجارب جديدة وبتكون فرصة نوري تاريخنا وشغفنا بفريقنا وتشجيعنا لناس جديدة. أنا واللي زيي مش عايزين كل سنة نبقى محصورين في تلات أربع أندية منلاعبش غيرهم ونفضل نروح نفس الأماكن ونخوض نفس التجارب. ماتش بين برشلونة وليفربول مثلا بيكون حدث تاريخي لأنه بيحصل مرة كل كام سنة. لو عملتهولي كل سنة خلاص هيفقد حلاوته، هاروح سنة ولا اتنين وبعد كده هازهق وهابقى مش عايز أروح.
دوري السوبر كبطولة مغلقة على أندية معينة بتلغي أنواع كتير من الإثارة اللي بنعيشها من القرعة للتأهل.
اقرأ أيضا: دوري السوبر الأوربي "السوبر ليج".. كرة القدم التي صنعها الفقراء وسرقها الأغنياء
المشجعون الحقيقيون اللي زي حالاتي أولويتهم الاستمتاع باللعبة نفسها حتى لو انتهت بالخسارة ساعات. المتعة هي إن إحنا نحرت ونتعب ونفحت في الصخر ونكسب مرة ونخسر مرتين.. عادي.. محدش فينا عايز يضمن مكانه في المسابقة الأوروبية لمجرد إنه فريق له تاريخ أو معاه فلوس. محدش عايز فريقه ميلاقيش منافسة محلية غير من تلات اربع فرق والباقي كومبارس. محدش بيشوف المتعة في وضع شاذ زي ده.
يمكن دي حاجة المشجع الأهلاوي التقليدي في مصر يحبها ويستمتع بيها وتيجي على مزاجه قوي، لأن الأهلي بالنسبة له مجرد وسيلة لخلق لحظات انتصار وهمية على منافسين ورقيين في حياة مليئة بالهزائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأكيد فيه زملكاوية يتمنوا برضه يبقوا زي الأهلوية في ده بس فريقهم مش مساعدهم. بس زي ما قلت الثقافة في انجلترا مختلفة تماما. المطلوب هنا انتصار حقيقي على منافس حقيقي، ولو ده مش ممكن فاللعب نفسه متعة برضه.
فيه مشجع لأرسنال قال امبارح في التلفزيون "أيه فايدة إني أتفرج على ماتش أرسنال وإيڤرتون الأسبوع الجاي لو أنا عارف إني مش محتاجه للتأهل لبطولات أوروبا؟" فالمذيعة سألته: بس انتم مش هتتأهلوا السنة الجاية غالبا. دي كانت فرصة تنفعكم في وضع زي ده! هل انت مش عايز تلعب في أفضل بطولة في أوروبا؟
قال لها: "عايز نلعب طبعا، وعايز نكسبها كمان في يوم من الأيام، لكن عايز نحقق ده بمجهودنا وعن جدارة، وفي منافسة متكافئة وعادلة. مفيش متعة في إن الواحد يكسب حاجة لا يستحقها، ولو بقت كل مكاسبنا كده فدي اللحظة اللي نادينا هينتهي فيها كمؤسسة رياضية.