Ali Iane
شركة أمازون هي شركة استعمارية، بل تتفوق على الاستعمار بجيوشه وأساطيله. إذا كان الاستعمار سابقا يغزو الدول من أجل هدفين: الأول السيطرة على الموارد الطبيعية، والثاني هو تبخيس قيمة العمال، فهذا نفسه منطق شركة أمازون.
شركة أمازون لن ترسل أساطيل للهيمنة على آبار النفط والثروة الحيوية، بل تتجه لثروة أخرى هي ثروة البيانات التي تشتغل عن طريقها، لقد تحولت البيانات -كما يصفها تورستن فريكه وأولريش نوفاك في كتابهما المشترك عن غوغل - إلى نفط القرن الواحد والعشرين.
تراقب الشركة الزبون لأجل البيانات، تتبع الزبون إلى أي مكان، تتفحص كل شيء تصفحه على الانترنت لتقدم له كل شيء يحتاجه، أو كل شيء يفكر فيه. لا تتبع أمازون الزبناء على الانترنت فقط، بل حتى عبر المواد الذي يقتنيها الزبون من شركة أمازون.
اقرأ أيضا: النسوية في خدمة الرأسمالية ضد نضالات النساء الحقيقية.. ملالا يوسف نموذجا
خذ على سبيل المثال الزبون المثقف؛ حتى لانحصر الأمر بزبون البضع الاستهلاكية وحدها، فإذا اقتنيت جهاز كيندل للقراءة الإلكترونية على سبيل المثال لا الحصر، سيزود الجهاز أمازون بـ :
متى بدأت القراءة، وكم سرعتك في القراءة، وإذا كنت تقرأ بشكل متواصل أو متقطع، أو تقرأ صفحات معينة، وإذا قفزت للنهاية مباشرة، أو عدت لأحد الفصول التي تهمك، وإذا وضعت علامة على أحد الفقرات؟
هذا مثال واحد لطريقة اشتغال الشركة، والسبب هو أنها هنا تلغي كل الوسائط التجارية والسياسية والثقافية، وتعلن عن نفسها كالوسيط الوحيد الذي يفهم الزبون. نحن هنا بصدد احتكار استعماري للثروة والزبون ولا يتعلق الأمر بشركة عادية.
لا يقدم انتقال هذه الشركة لدولة من الدول خدمة للعمال، هي تعمل أساسا على تبخيس قيمة العامل، أولا بظروف العمل المزرية، وبأجور متدنية، فعمال أمازون في سياتييل الأمريكية لا يعيشون في سياتيل بسبب ارتفاع الإيجار، بينما يعيش ثلثي الموظفين على بطاقة الإعانة الحكومية.
اقرأ أيضا: خدعة العمل الحر وريادة الأعمال
وهنا نتذكر حجاج ماركس ذات مرة بأن مصدر السخط الاقتصادي لم يكن بالضرورة عدم المساواة، بل التغريب، انسلاخ العامل عن المنتج وما يصاحب ذلك من فقدان أي صلة بغاية وهدف جهود الفرد. حتى عندما نوقش قانون رفع الضريبة على شركة أمازون، هدد جيف بيزوس بطرد آلاف العمال مما جعل السلطة السياسية عاجزة أمامه.
شركة أمازون هي أحد الشركات الاستعمارية كباقي الشركات، هي تعتمد على خبو أو أفول الدولة لصالحها، إذا جمعنا ترجمتي لينين عن الدولة، ففي أحد اجتماعات شركة نفطية في واشنطن العاصمة، طرح الرئيس التنفيذي لشركة إكسون حينها، لي ريموند، فكرة بناء طاقة تكرير إضافية داخل الولايات المتحدة (للحماية) ضد أي نقص محتمل في مادة البنزين.
ووفقا للحاضرين في ذلك الاجتماع كما يروي القصة المرشح الرئاسي الأمريكي السابق آل غور، أجاب ريموند: :أنا لست شركة أمريكية ولا أتخذ قرارات استنادا إلى ماهو أفضل للولايات المتحدة".
يعيد تصريح ريموند هذا إلى الأذهان التحذير الذي أطلقه توماس جيفرسون في العام 1809، بعد أقل من شهر على مغادرته للبيت الأبيض، عندما كتب إلى جون جاي عن "الروح الأنانية للتجارة، التي لا تنتمي إلى أي بلد ولا تشعر بالعاطفة وليس لها مبدأ سوى الكسب".
اقرأ أيضا: من يحكم العالم؟ الإجابة عند برتراند راسل
يحدث هذا في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فماذا سيحل بدولة جنوبية؟ وما مصير عمالها الذين سيواجهون هذه الوحوش الضارية؟ ومامصير شركاتها؟ وماذا عن التجار الصغار، هذا دون أن نتحدث عن عمال الشركة ذاتها.