عبدالرحمن كمال
لا يصح استحضار سيرة النبي في ذكرى مولده، دون الإيمان بأن دعوة النبي الكريم كانت تستهدف تكوين مجتمع بلا فروق طبقية، وان هذا هو جوهر الإسلام الحقيقي، إسلام بلا تمييز عنصري، وهذا هو السبب الأول لمعارضة قريش لدعوة النبي، إذ أنها كانت تعني المساواة بين سادة قريش وعبيد على هامش التاريخ.
إن جوهر الدعوة للإسلام كان المساواة بين بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وكل سادة قريش، بل إن النبي شرّف وكرّم بلال وسلمان وصهيب عندما وضعهم في كفة متساوية معه (السباق أربعة).
إن جوهر الإسلام هو العدالة الاجتماعية وتحقيق مجتمع بلا فوارق طبقية في المقام الأول، أما العبادات على أهميتها وضروريتها فتأتي ثانية، إذ أنها في المقام الأول علاقة بين العبد وربه، ولهذا كان الحديث الشريف :"الدين المعاملة".
يقول الله عز وجل: "﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ أنظروا إلى التراتبية في الآية الكريمة وموقع الصلاة والزكاة.
بل أن العبادات في حد ذاتها تأكيد على محاربة الإسلام للفوارق الطبقية، ألا يقف جميع المسلمين صفا واحدا أثناء أداء الركن الأهم في الإسلام (الصلاة) دون تفرقة بين غني وفقير؟ ألا تهدف الزكاة إلى تقليل تلك الفوراق؟ أما الصوم فمن الخطأ الاعتقاد أن الهدف منه هو الشعور بالفقراء فقط، وإلا لاكتفى الإسلام بمطالبة سادة قريش بالصوم فقط، حتى الحج (الركن الأعظم) رغم كونه لمن استطاع إليه سبيلا، إلا أن السمة المميزة له أن يقف كل المسلمين أثناء أداء الشعائر جنبا إلى جنب، دون تمييز بين أبيض وأسود وأحمر، هذا بالطبع قبل أن يتحول الحج إلى سلعة بغيضة مثلما تحولت مكة إلى لاس فيجاس عاصمة القمار، قبل أن يجيز شيوخ السلفية المنحطين أن يصلي الأغنياء والأمراء في فنادقهم الباهظة حتى لا يخالطوا إخوانهم في الدين أثناء الصلاة.
ولأن الله كان يعلم بإفساد الدين والحج، لهذا جعل "الحج عرفة".. ذلك أن الوقوف على الجبل في عرفة لن يطاله التسليع والتشويه والتدنيس الذي طال باقي شعائر الحج بفتاوى الصلاة في الفنادق المطلة على الحرم، وهو ما أفرغها من مضمونها الأهم: المساواة بين الجميع.