د. إدريس آيات
أُعلن اليوم عن وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي، متأثرا بجروح أصيب بها في القتال على خط المواجهة مع المتمردين الشماليين، واختار جيش تشاد نجل ديبي، الجنرال محمد إدريس ديبي ليكون رئيس الدولة الجديد.
أعلنت "جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد "تمرداً عسكرياً على النظام منذ 11 أبريل المنصرم، وجرت -يوم السبت 18 أبريل- معركة دامية في إقليم "كانم" انتهت بانتصار النظام، وانسحاب جبهة الوفاق تكتيكياً، وعليه كل الدلالات توحي بأنّها عملية انقلابية داخلية، وقد استغل الجيش المستاء منه فرصة إصابته، وفرنسا ( الآمرة الناهية) غضّت طرفها.
تجدر الإشارة إلى إدريس ديبي، الذي لقّب نفسه "مشيراً" كان يحكم تشاد منذ 30 عاماً، وقد تم إعادة انتخابه الأسبوع الماضي بنسبة 79٪, قبل الأنباء عن وفاته.
في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل وأبعاد ما جرى في الأيام الأخيرة منذ انتخابات الرئاسة ثم التمرد وحتى مقتل إدريس ديبي، ودور فرنسا في الأزمة:
غداة الانتخابات الرئاسية في 11 أبريل 2021م التي قاطعها العديد من أحزاب المعارضة، أعلنت "جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد" (FACT) "فاكت"وهي جماعة سياسية عسكرية أسسها ضباط منشقون من الجيش منذ 2016م، بقيادة محمد مهدي علي، عن تمرد يهدف إلى إسقاط إدريس ديبي.
ماذا حدث؟
دخلت "جبهة الوفاق" تشاد، يوم الاثنين 12 أبريل من مدينة الجفرة، جنوبي ليبيا التي كانت مقرّها، إلى شمالي تشاد عبر إقليم "تبستي" ثم إقليم " كانم " بقيادة محمد مهدي علي، رجل عمل في وزارة البترول سابقا، بعناصر يقدر عددهم بـ 1500 (ألف وخمسمائة) مسلحين، مع 400 سيارة "بيك آب تويوتا".
وتسللّوا في مجموعات صغيرة إلى الأراضي التشادية من زوركيه ، على بعد 400 كيلومتر. شمال شرق فايا لارجو ، لتجنب جذب انتباه المراقبة الرادارية، وهاجمت نقطة حدودية تشادية في شمال البلاد حيث بدأت مراكز الاقتراع فرز الأصوات من الانتخابات الرئاسية التي جرت عشيّة الهجوم.
اقرأ أيضا: لعبة الغرب الكبيرة في أفريقيا.. أو كيف يصنع الغرب الإرهاب ويمّوله الأفارقة؟
هاجمت "فاكت" بمركبّات مدججة، المركز الحدودي في منطقة "زواركي" الحدودية بين ليبيا وتشاد. وزعمت "فاكت" أنها استولت على العديد من حاميات الجيش التشادي، بما في ذلك حامية " وُر- وزواركي " الإستراتيجي.
يؤكد بعض شهود العيان أنّهم استولوا على منطقة " زورك" الواقعة بإقليم "تيبستي".
فنشرت على فيسبوك، أن "انتخابات الأحد الماضي كانت مهزلة... وعلى الشعب الحفاظ على زخم الضغط على "الديكتاتورية" ومساندة مقاتلي جبهة الوفاق الشجاعة لتحرير وطنهم تشاد".
كما أعلنت الجبهة استيلائها على حاميات بالقرب من الحدود الشمالية لتشاد مع النيجر وليبيا "دون مقاومة".
المؤكد منه حتى اللحظة ، بعيداً عن الشائعات، أنّ الأقمار الصناعية الغربية رصدت قافلتين مسلحتين ل " فاكت" تتجّه نحو العاصمة انجامينا. إحداهما قرب بلدة "ماو" الواقعة على بعد حوالي 220 كيلومترا (137 ميلا) شمال انجامينا، والأخرى شوهدت وهي تمرّ ببلدة "فايا" الواقعة على بعد 770 كيلومترا (478 ميلا) شمال شرق نجامينا.
ما يؤكد سيطرة سابقة من الجبهة على المناطق المذكورة سلفا، فلا يتقدّم إلاّ من حصد نتائج ملموسة. وهذا ما يفسّر تحذير كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من رعاياها مغادرة تشاد، تحسباً لحرب دامية قد تستعر بين متمردي "فاكت" والقوّات التشادية، كتلك التي وقعت أمس في إقليم كانم.
بُعيد استيلاء جبهة الوفاق على بعض المناطق الحدودية، ردّت القوّات التشادية بعملية عسكرية جوية، ولاحقتهم، لكن استعانت الجبهة بجبال" تبستي" حتى تمكنّت من إسقاط طائرة "سوخوي" تابعة للحكومة" ثم زحفوا إلى "كانم"
لاحقاً أكد الجيش أنّه دمر قافلة تابعة ل "فاكت" في شمال إقليم كانم.
قال المتحدث باسم الحكومة، شريف محمد الزين، إن"مغامرة "المرتزقة" القادمة من ليبيا قد انتهت"
اكتُشف لاحقا أن تصريح الحكومة كان مجرد بروباغندا الصراع؛ حيث عرفت بلدة "زيكي" بإقليم كانم معركة يوم أمس 18أبريل، راحت ضحيتها في أقل تقدير 100 قتلى وعشرات الأسرى في الجهتين. والصراع مستمر
أبعاد الأزمة داخلياً
من الحريّ الذكر أنّ تشاد-ومنذ عقدين- تعيش استياءً شعبياً من إدريس ديبي الذي يحكم البلاد منذ 30 عاماً وسعى في الأسبوع الماضي إلى تمديد حكمه، لولاية جديدة تتضمن 6 سنوات إضافية. في الوقت الذي تتهمه المعارضة بالقمع والاضطهاد لكل صوت معارض، عطفاً على تذمّر
الشعب من تعامله مع الثروة النفطية في البلاد. إضافةً إلى ما سبق، نمت اتّجاهات مضادة للسياسات الاقتصادية لحكومة ديبي بعد أنّ خفض الإنفاق العام في السنوات الأخيرة بسبب انخفاض سعر النفط، وأثار الانخفاض احتجاجات وإضرابات عمالية، ما يفسّر تأييد بعض القوى الشعبية في تشاد لتمرّد " فاكت".
فالشعب بات يطالب التغيير حتى لو كان التغيير بطريقة عسكرية. لكن على مرّ العقود الفائتة اعتمد ديبي على إحكام قبضته على مؤسسات الدولة، والاستثمار المتصاعد لإنتاج أحد أقوى الجيوش في المنطقة يكون دعماً له للاحتفاظ بالسلطة.
أبعاد الأزمة إقليميًا
إنّ الاتجّاه العصري لحركات المعارضة -المسلحّة وغير المسلحّة- على الصعيد الإقليمي هو التحالف مع قوى إقليمية معادية للنظام للإطاحة به.
لكن هذه المعادلة صعبة تحقيقها في الظروف الإقليمية الراهنة.
اقرأ أيضا: الفيديو الذي تسبب في اعتقال ولي العهد ورئيس الديوان الملكي بتهمة محاولة الانقلاب على ملك الأردن
إنّ دولة ليبيا، الجار الشمالي لتشاد في مرحلة سياسية حرجة بعد وصول حكومة عبد الحميد الدبيبة، وطيّ صفحتي فائز السرّاج، وخليفة حفتر. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ "فاكت" استقرت في ليبيا بعدما أبرمت اتفاقية عدم اعتداء مع القائد العسكري المنشق "خليفة حفتر" الذي يسيطر على جزء كبير من شرق وجنوب البلاد المتاخمة لشمال تشاد عبر إقليم تيبستي. وكثيرًا ما تشهد جبال تيبستي بالقرب من الحدود الليبية قتالًا بين المتمردين والجيش التشادي. بالمثل تعيش حكومة أفريقيا الوسطى من الجنوب تمرداً مسلحاً ما أدى إلى إغلاق الحدود بين تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى ولا يزال عدم الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة مقلقًا. أما النيجر من الشمال الغربي والكاميرون ونيجيريا من الجنوب الغربي، حكومات حليفة لحكومة إدريس ديبي على الصعيد السياسي والأمني في محاربة الإرهاب في منطقة بحيرة تشاد. تبقى الدولة الشرقية السودان، التي انطلقت منها العديد من النزاعات مع تشاد، للتداخل الإثني والقبلي بين الدولتين، لكنّها أيضاً لن تتدخل لصالح جبهة الوفاق لأنّ السودان اتفقت مع تشاد على إنشاء وتعزيز قوة حدودية مشتركة، بل وفقا لسي آي أي " الحدود مع السودان عرضة للإغلاق في وقت قصير" أيضا.
يضاف إلى ما سبق، أن هناك حوالي 572،000 لاجئ في تشاد من السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ونيجيريا في المناطق الشرقية والجنوبية والغربية لبحيرة تشاد، على التوالي.
كما أدت الاشتباكات الطائفية في ولاية غرب دارفور إلى تدفق جديد للاجئين الذين عبروا إلى تشاد في خواتيم ديسمبر 2019 ويناير 2020م، حيث بلغ عدد اللاجئين السودانيين بعد التدفق الأخير قرابة 363 ألف لاجئ. بعبارة أكثر صراحةً لا توجد دولة إقليمية ستكون حليفة ل"فاكت" في الظروف الراهنة.
ماذا إذنْ على المسرح الدولي؟ هل القوى العظمى ستدعم التمرّد المسلّح لجبهة الوفاق؟
أبعاد الأزمة دولياً
تتقاطع الصراع بين الجبهة المتمردة وحكومة إدريس ديبي مع مصالح القوى الدولية، حيث جعل إدريس ديبي من نفسه رقماً صعباً، بتحالفه مع القوى الغربية في محاربة الجماعات المتطرفة، بإرسال الجيش التشادي خارج البلاد متى ما همست تلك القوى في أذنه.
على الصعيد البراغماتي الصرف، ترى- وتصف- الولايات المتحدة الامريكية إدريس ديبي ب "الحليف القوي" (Strong Ally) للقوى الغربية في محاربة "المتشددين الإسلاميين" في غرب ووسط إفريقيا. عطفاً على أنّ الدولة المهيمنة حقاً في سياسات غرب ووسط أفريقيا الفرنكوفونية، فرنسا، ترى في إدريس ديبي " الدكتاتور" الثابت، الضليع في عمليات الاستقرار في المنطقة، وليست مستعدة لحرق هذه الورقة المضمونة على ورقة مظنونة.
على سبيل المثال، حين حظيت المعارضة المسلحة بفرصة مواتية في فبراير 2019م لإسقاط النظام، كانت الضربات الجوّية الفرنسية هي التي ساعدت الجيش التشادي في صد هجوم المتمردين من ليبيا. وبالمثل في فبراير 2008م، استعان ديبي بالجيش الفرنسي لصد المتمردين الذين وصلوا حتى أبواب القصر الرئاسي، بعدما نزاعٍ داخلي بين صفوف المتمردين حول من سيرأس بعد ديبي، هل هو " تيمان أرديمي" ابن عم ديبي، ومن إثنية الزغاوة مثله أو الجنرال محمد نوري من إثنية مغايرة.
هذا ما يفسّر تصريح ك "فاكت" يوم الجمعة المنصرم بعد إعلانها أنها " استولت على حامية في منطقة "جوري" الواقعة شمالي البلاد. أضافت أنّ "العدو، رغم الدعم اللوجستي للقوات الجوية الفرنسية، تم دحره تماما".
لكن من الحرّي بالذكر أنّ وزارة الدفاع الفرنسية، امتنعت عن التعليق على ما إن كانت متورطة في الصراع.
اقرأ أيضا: 25 يناير في مذكرات أوباما «أرض موعودة» (ح2): نتنياهو وبايدن وملك السعودية دعموا مبارك.. توني بلنكن أيد مطالب الشباب.. ولا علاقة لإيران وحزب الله بالتظاهرات
ومن الجدير بالذكر أنّ "جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد" كانت حليفة لخليفة حفتر في حربها الخاسرة ضد طرابلس، والدكتور محمد مهدي علي، و الجنرال محمد نوري، كانا من "مرتزقة " حفتر. لكنّ لشرخٍ داخلي انقطعت علاقاتهما، بل تستهدفهم خليفة حفتر مرة، ما قطع مصدر التمويل الخارجي الآتي للجبهة ومناصري حفتر من الإمارات وحلفائها ضد حكومة فائز السرّاج. عطفا على أن حركات التمرد ك" فاكت" كانت تموّل تمردّها بمناجم الذهب الواقعة في إقليم تيبستي، وهنا أيضاً أرسل إدريس ديبي، محمد كاكا، في خواتيم 2019م للسيطرة على المناجم، ما أوقف مداخيل الذهب التي كانت تمول التمرد.
في نفس السياق، كانت تشاد في صف الإمارات في الأزمة الخليجية ضد قطر، ما يعني أنّها أنّ الإمارات لن تفرّط بديبي، ولا إسرائيل التي تروم ختم التطبيع مع حكومة ديبي. عطفاً على أنّ كلٌ من تركيا والولايات المتحدة شرعتا في مشاريع مع حكومة ديبي، وهما بحاجة له الآن أكثر من أي وقت مضى.
وقد دافعت باريس عن تدخلها العسكري في 12 في فبراير2019م أنه "استجابة لطلب من السلطات التشادية" ، وبررت ذلك وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودر يان" أمام البرلمان الفرنسي في 12 فبراير إنّه لضرورة الحفاظ على الاستقرار في كل من تشاد والمنطقة الإقليمية. مؤكداً أنّ " فرنسا تدخلت عسكريًا لمنع انقلاب". وأضافت السلطات الفرنسية أن تشاد حليف استراتيجي ينتشر جيشه في عملياتٍ ضد الإرهاب في منطقة الساحل وفي حوض بحيرة تشاد.
بتعبير آخر، لا الظروف الإقليمية ولا الدولية مواتية لنجاح التمرّد العسكري لجبهة الوفاق.
على ماذا كانت تعتمد "فاكت" لقلب الطاولة على النظّام؟
بجانب طموح تحقيق تحالف كبير بين مجموعة القوّات المتمردة، من كلٍ جبهة الوفاق وعناصر " مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية (- CCMSR) ومتمردي " اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية" و " اتحاد قوى المقاومة" (UFR)؛ كان الاعتماد على ثلاث تكتيكات:
١- البعد الإثني: تتألف "فاكت" في الأغلب من إثنية القرعان في الشمال ومناطق أخرى، بشكل أساسي، مع إثنيات صغيرة أخرى، كمحمد نوري من ". أناكزة " وبعض العناصر التي تنتمي لإثنية " الكريدة" و " الدازقر" ومعاقل تلك الإثنيات هي ، تيبستي ، وإقليم كانم، ما يفسّر لماذا بدأت الجبهة نزوحها فيهما، فاستراتيجياً إن سقط إقليم كانم كلياً في أيدي " فاكت" ستسقط العاصمة انجامينا، لذلك اتجهت القوّات التشادية إلى كانم قبل أن تبسط " فاكت" سيطرة كاملة عليها. كما كانت تعتمد على الانشقاق الداخلي لقبيلة " الزغاوة" لإدريس ديبي، حيث انشق عناصر من جيشه سابقاً مع ابني عمه " تيمان أرديمي" وأخوه " توم أرديمي" وتوظيف ذلك ضدّ الجيش التشادي لمزيد من وضع السلاح بدل الدفاع عن " دكتاتور أعماه السلطة".
٢-الشعب: من المقطوع به أن ورقة الشعب رابحة دائماً. فالشعب التشادي هو الذي ركب سيارات المتمردين المسلحين عام 2008م ودلّهم على بيوت أنصار النظام؛ إنْ وصل تمرد 2008 أبواب القصر الرئاسي، فذلك بسبب انتفاضة الشعب معهم.
هو السيناريو ذاته الذي حاولت جبهة الوفاق إعادته، تمرد مسلح مع شعب منتفض في ظل انتخابات غير نزيهة، يعطيان سيناريو دولة مالي مثلا، الذي أطاح بالرئيس " بوبكر كيتا". الخطأ، أنّها لم تكن تعقد اتفاقاً مع قيادات المعارضة القادرة على شحن الشعب للخروج والانتفاضة.
كانت إشكالية هذا السيناريو هذه المرة، أنّ الشعب - ليس أنّها لم تخرج فقط، بل- غادر الكثير العاصمة انجامينا، حيث في نظر أغلبهم، هو سيناريو "Déjà Vu" متكرر ومفروغ منه.
٣- المجتمع الدولي: أدت حسابات جبهة الوفاق الخاطئة إلى تخيّل أن تحقيق نجاح عسكري مدعوم شعبياً سيرغم فرنسا والقوى الكبرى بقبول الستاتيسكو الجديد، إنْ نجحت الجبهة في تحقيق تفاوض رابح يفوق ما يعطيه إدريس ديبي، وهذا ما يفسّر لماذا كتبت فاكت في بياناتها هذه العبارة " نطمئن شركاء تشاد على مواصلتنا التحالف والالتزامات الدولية لتشاد، وخاصةً فرنسا".
مطالبةً فرنسا بعدم التدّخل العسكري في قضية، هي بمثابة الشأن الداخلي.
اقرأ أيضا: شبهات حول ثورات الربيع العربي (1)
يرى بعض المراقبين، كالخبير الجيوسياسي " جان لوك ميشيل" أنّ فرنسا هي التي سمحت للمتمردين بالدخول متجاهلةً مراقبة الرادارات، لتعلب على التناقضات للحصول على مزيد من التنازلات من إدريس ديبي بعدما تتدخل عسكرياً لمنع الانقلاب كالمرّة الفائتة.
لكن حاولت جبهة الوفاق أيضاً توظيف البروباغاندا الإعلامية لإبراز انتصارات غير حقيقية على المجتمع الدولي، بجانب التذمر الشعبي للضغط على الدول الغربية في تمسّكهم المريض بإدريس ديبي. وقد وصلت البروباغاندا فعلاً حتى في الأوساط الأكاديمية وخبراء الاستخبارات. فقد طالب المستشار السابق لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA) السيد "كاميرون هيدسون" (Cameron Hudson) الحكومة الأمريكية بتبنّي استراتيجية جديدة، قاصداً بذلك أنّه ربما حان الوقت للبحث عن بديل لإدريس ديبي. وبجانبه تصاعدت أصوات أخرى، لكن بقيت أصواتاً شعبية لا تؤثر كثيرا في صنّاع السياسة الخارجية الأمريكية، ما لم يرتكب إدريس ديبي خطأ لا يغتفر، ك " مجزرة مثلاً".
إذن، استناداً على ما سبق، يلاحظ أنّ الجبهة وقعت في إدراكات خاطئة لتقييم الوضع الداخلي والإقليمي والدولي، وفي هذه الظروف يسهل التنبؤ بمآلات الصراع.
تطورات ما بعد مقتل الرئيس ديبي:
-إعلان عن مجلس عسكري انتقالي لمدة 18 شهر
-حل البرلمان والحكومة وتعين نجل ديبي (محمد كاكا) رئيس المجلس
-حداد وطني ل 14 يوما وإغلاق الحدود الجوية والبرية
-حظر تجوال من الساعة 6 مساء الى 5 صباحا
هذه إجراءات ما بعد الانقلاب، وليست إجراءات بعد وفاة رئيس.
اقرأ أيضا: هيمنة "رأسمالية التجسس" على إدارة بايدن-هاريس
ختاماً؛ كتب الخبير الاستراتيجي "صن تزو" في كتابه فنّ الحرب: "إنّ القائد الذي يفوز في المعركة، يقوم بكثير من الحسابات قبل بدء القتال، والقائد الذي يخسر يقوم بعمل القليل من الحسابات سلفاً...فالكثير من الحسابات يؤدي للنصر، والقليل منها يؤدي للهزيمة"
لذا، الحل الذي يمكن أن يتبنّاه الشعب في هذا الصراع على المصالح الخاصة، وترجمتها كأنّه لصالح الشعب التشادي المتعطش للتغيير، هو، استغلال النزاع للضغط على إدريس ديبي لترك السلطة، ليس لجبهة الوفاق العديم التنظيم، لكنّ لقوى سياسية مدنية تقود مرحلة انتقالية، تؤدي إلى بناء تشاد جديدة.
وهو سيناريو مع إعلان النتائج النهائية وخسارات " فاكت" بعيد التحقيق حالياً.
غير ذلك، إنْ انهصرت طرق التغيير البديلة بنزعة عسكرية مماثلة لحكم العسكري إدريس ديبي، الذي نحاول إسقاطه من قبل الشّعب التشادي الذي عانى من من طغيانه، فلا حاجة لتبديل عسكري بعسكري يعيش الفساد ذاته، ليعطي ولاءاً مطلقاً أخرى لفرنسا مرةً أخرى.
شخصيا أضنّ وأغار على تشاد أن تخرج من سيء إلى أسوأ. رجونا - ولا نزال نرجو- طلعة فرصة حقيقية للشعب التشادي التوّاق للحرية، لإسقاط إدريس ديبي، ولا أرى كذلك في جبهة الوفاق المتعاون مع مجموعة من المحاميد.
هذه فرصة الشعب التشادي، لانتفاضة شعبية ترفض وراثة الرئاسة لسلالة ديبي. فلا يستبدل عسكري بعسكري، كما أنّه بدون انتفاضة شعبية، كل الدلالات توحي بأنّ ثمة حرباً أهلية، أو تمرداً مسلحاً بين أطراف الجيش قادم. والشعب وحده من يمكنه إنقاذ الوطن. وليس للقوى الدولية التي تعد الآن ما بعد إدريس ديبي، إلاّ الإذعان لإرادة الشعب. إنّه من الخطأ الاستراتيجي، إسقاط الطاغية، وإِبقاء الطغيان.
يعيش الشعب✊🏾.
د. إدريس آيات- قسم العلوم السياسية جامعة الكويت
حسابات إدريس آيات على :