-->
كاتوبجي كاتوبجي
recentposts

آخر الأخبار

recentposts
recentposts
جاري التحميل ...
recentposts

بنطلون علاء عبد الفتاح


 

أشرف الصباغ

من يريد أن يعرف حالة المعتقل المصري علاء عبد الفتاح، وخطورة علاء عبد الفتاح نفسه، ولماذا قُبِض عليه من البداية، ولماذا يفعلون معه ذلك، يحاول بأي شكل أن يتفرج على فيلم "البنطلون Le Pantalon"، الذي أخرجه الفرنسي إيف بواسيه Yves Boisset عام 1997.. فمن الممكن أن يعثر على إجابات لهذه الأسئلة!!! 

الفيلم مهم ويوضح تفاصيل كثيرة. وبالمناسبة، هذا الفيلم أحداثه كلها حقيقية.

وهو ببساطة يجسد قسوة وعبثية وعشوائية المؤسسة العسكرية، وربما عبثية الحياة نفسها. وهناك عدة أفلام أخرى من هذا القبيل دارت أحداثها في داخل المؤسسات العسكرية أو بالقرب منها. لكن هذا الفيلم تحديدا مأخوذ بالكامل عن أحداث حقيقية.


اقرأ أيضا: لماذا يستمع السيسي لنصائح أحمد عكاشة أستاذ الأمراض النفسية؟


كان لوسيان شابا في مطلع الثلاثينات، وكان معفيا أصلا من الخدمة العسكرية لكونه مُعيلاً (متزوجاً وله ابنة صغيرة ووالده مقعد). لكن وقعت خسائر كثيرة في صفوف الجيش الفرنسي بنتيجة مكابرة القيادة وارتكابها الأخطاء، فساقوه مثل غيره إلى صفوف الخدمة. وكان شجاعا وباسلا ومخلصا، فأبلى على الجبهة بلاء حسنا، وأنقذ عريفه وانتشل جثمان أحد زملائه القتلى. ونال رضى الضباط. ووعده رؤساؤه بإجازة تلو الأخر. لكنه لم يحصل على أي إجازة نظرا لتواصل العمليات العسكرية. وبحلول فصل الشتاء، بدأت الأحداث المأساوية المبنية على حدث عبثي تماما لا دخل للوسيان فيه على الإطلاق. 

كانوا يُلبسون الجنود على الجبهة الشرقية بناطيل قطنية بيضاء في الصيف، وصوفية حمراء في الشتاء. لكن البنطلونات لم تكن كافية للجميع، فبقي لوسيان ميرسو ببنطلونه الصيفي. وبعد أيام، أمر النقيب بالعثور على بنطلون شتوي أحمر للوسيان. ولما جاؤا له ببنطلون ممزق وملوث بالدماء انتزعوه من أحد القتلى، رفض المجند لوسيان ارتداءه، فغضب النقيب وهدده بتطبيق إحدى المواد الصارمة في القانون العسكري. لكن لوسيان لم يهتم بخطورة الموقف وظن أن تلك المادة تخص القيافة والمظهر العسكريين، وأنه ربما يتعرض للسجن أسبوعا في أسوأ الأحوال. لكنه لم يكن يعرف أن هذه المادة من القانون العسكري تخص "عصيان أمر في حالة حرب". وعقوبتها الإعدام رمياً بالرصاص.

هنا تظهر مأساوية وعبثية الأحداث والعمى والقمع والاستبداد والتحايل على القانون. وأصر العقيد، الذي أصبحت المسألة بالنسبة له ليست بنطلونا وإنما عصيان الأوامر وإهانة شرف الدولة والجيش، على محاكمة المجند لوسيان في محكمة عسكرية يترأسها هو بنفسه، ضارباً عرض الحائط بعدم جواز أن يكون طرفاً وقاضياً في نفس الوقت. وصدر حكم الإعدام من دون أي استئناف أو نقض.


اقرأ أيضا: الحلقة 3| 25 يناير في مذكرات "أرض موعودة": "انتقال السلطة أخطر شيء على مصر".. تفاصيل مكالمة مبارك وأوباما


المأساة العبثية في قصة لوسيان بيرسو أنها حقيقية، ووقعت عام 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى، إبان هجوم الألمان على فرنسا. لكن العبثية والعدمية الحقيقيتين تكمنان في أن لوسيان أُعدِمَ، والضابط الذي كان خصمه وحرض ضده وترأس لجنة الحكم عليه نال الترقيات ووصل إلى مساعد وزير الدفاع، بينما أطلقوا الرصاص على لوسيان، ومات آخرون في السجون والمعارك، وانكسرت مصائر جنود وضباط آخرين. ويكمن العبث هنا في أن لوسيان لم يكن مذنبا على الإطلاق. كل ما هنالك أن الدولة الفرنسية والجيش الفرنسي لم يتمكنا من منحه بنطلونا شتويا ذا لون أحمر مثل زملائه، فاكتفى بارتداء البنطلون الصيفي الأبيض الذي لم يكن يحميه من الصقيع. وعندما جاءه الآمر ببنطلون ممزق وملوث بالدماء خلعه من أحد القتلى، رفض لوسيان ارتداءه، وسانده زملاؤه ودعموا موقفه. 

رفض لوسيان أوامر قائده أكثر من مرة، ولم يهتم بتهديداته المبطنة حول عصيان الأوامر العسكرية. وبوصول المشكلة إلى الضابط الكبير، كانت قد تضخمت ولم تصبح مشكلة ارتداء بنطلون وإنما أخذت أبعادا تصل إلى عصيان الأوامر العسكرية أثناء مواجهة العدو خلال العمليات العسكرية. كان الضابط الكبير يريد التغطية على فشل هجماتهم على أحد المواقع، وإخفاقهم في الوصول إليه. وكان يريد أن يبرر ثقة الجنرال الذي وعده بالترقية في حال الوصول بأي ثمن وبأي وسيلة إلى الموقع الذي يتمترس فيه الألمان. 

لقد اجتمعت كل الأسباب الممكنة لتجعل الضابط الكبير يفاقم الأمور ويهدد الضباط والمحققين ويجبرهم على مخالفة القانون، ويخالف هو نفسه كل القوانين العسكرية والمدنية والأعراف الإنسانية، مؤكدا أنه لابد من إعدام لوسيان من أجل الحفاظ على الشرف العسكري والقانون العسكري والجيش الفرنسي والدولة الفرنسية.. لقد أصبح الببنطلون في كفة والدولة والجيش الفرنسيين في كفة أخرى!!! كل ذلك لأن لوسيان رفض أن يرتدي بنطلونا ممزقا وملوثا بالدماء كان يرتديه زميله. والأكثر عبثية في الأمر أن الدولة والجيش الفرنسيين هما اللذان لم يسلما الجندي لوسيان ينطلونا مثل بقية زملائه. ومع ذلك حكموا عليه بالإعدام. ونفذوا الحكم!!


اقرأ أيضا: شبهات حول ثورات الربيع العربي (1)


أما العبث الحقيقي، وما زاد الطين بلة، أن أحداث الفيلم كانت حقيقية بالكامل، وتم رد الاعتبار للبطل بعد إعدامه بسبع سنوات أي في عام 1922. وفي عام 2014 فقط سُجل اسمه في قائمة "نصب الشهداء" في منطقته. لكن كانت زوجته قد ترملت، وابنته قد تيتمت، وفقد الأب والأم ابنهما الوحيد، فيما فقد الابن نفسه حياته التي كانت في بدايتها... وعلى الجانب الآخر تم ترقية الضباط الذين زوروا القانون، والذين حكموا بالإعدام، والذين قاموا بعملية الإعدام، ومنحوهم الأوسمة والقلادات!!




إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زارنا آخر أسبوع

المتابعون

أرشيف المدونة

جميع الحقوق محفوظة

كاتوبجي

2016