فجر الإعلامي والمحلل السياسي المصري طارق المهدوي قنبلة جديدة من العيار الثقيل، كعادة كل مقالاته، بعد أن أزاح الستار عن لغز من أعقد الألغاز المصرية في العقود الأخيرة، ألا وهو لغز الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
طارق المهدوي |
وكشف "المهدوي" في مقاله الذي حمل عنوان "من الألاعيب القاتلة للرؤساء" ونشر موقع الشبكة العربية، النقاب عن تورط الرئيس السادات، نائب عبدالناصر، في قتله عبر فنجان قهوة مسمومة، وهي الرواية التي سبق تداولها من قبل في مناسبات عديدة.
لكن الجديد في مقال طارق المهدوي هو سرده لتفاصيل جديدة حول هذه الجريمة، وكيف تخلص السادات من كل أدلة قتله عبدالناصر، عبر رجله المخلص الليثي ناصف، الذي كان جزاؤه جزاء سنمار، حيث تخلص منه السادات لاحقا.
اغتيال عبد الناصر
ويبدأ "المهدوي" مقاله بسرد تاريخي صغير للأيام الأخيرة في عمر عبدالناصر، وأهم قرارين اتخذهما، وهما تعيين السادات نائبا له، ثم تعيين الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل وزيرا للإعلام، قائلا: "في شهر ديسمبر سنة 1969 قرر رئيس الجمهورية المصري جمال عبد الناصر تعيين نائباً لرئيس الجمهورية هو أنور السادات زميله بتنظيم الضباط الأحرار الذي هو امتداد لجمعية الحرس الحديدي النازية، وفي شهر إبريل سنة 1970 قرر الرئيس جمال عبدالناصر تعيين وزيراً للإعلام هو محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الأهرام الرسمية وأمين الإعلام في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الحاكم والوحيد، وفي سبتمبر سنة 1970 مات جمال عبدالناصر عن عمر اثنين وخمسين عاماً وعجز طاقم علاجه الذي ضم الأطباء محمود صلاح الدين والصاوي حبيب ومنصور فايز وزكي الرملي وعلي البدري عن تحديد سبب موته فرجحوا أنه تصلب بالشريان التاجي".
ويضيف طارق المهدوي: "حسبما كشفت السيدة تحية كاظم زوجة عبدالناصر فقد كان السادات وهيكل وحدهما هما اللذان حضرا اللحظات الأخيرة قبل موته داخل غرفة نومه مجتمعين حيناً ومنفصلين أحياناً، لذلك فإن حديث هيكل آنذاك عن فنجان قهوة مسموم أعده وقدمه السادات بيديه لعبدالناصر في اليوم السابق لموته خلال اجتماعه خارج منزله مع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وحديثه آنذاك عن وجود تكنولوجيا متقدمة لدى الدول الغربية تقوم بتحليل الجثث أو أي أجزاء منها لمعرفة أسباب الموت الحقيقية لم يكونا بالنسبة للسادات مجرد ثرثرة بل تهديداً حقيقياً، جعل السادات الذي تولى رئاسة الجمهورية في سبتمبر 1970 يطيح بكل رجال عبدالناصر من كافة مناصبهم ويعتقلهم في شهر مايو 1971، باستثناء هيكل الذي استمر السادات في تدليله والاستعانة به على ذات نهج عبدالناصر تاركاً له كل سلطاته وصلاحياته وامتيازاته حتى شهر فبراير سنة 1974".
ويتابع: "فما الذي فعله السادات خلال الأربعين شهر الواقعة بين سبتمبر 1970 وفبراير 1974 وأكسبه تلك الجرأة للتخلص من هيكل، الذي لم يكن في مقدور السادات تصفيته جسدياً بسبب علاقاته القوية مع دوائر صنع القرار في الدول الغربية التي كان السادات آنذاك يحاول التودد لها"
الليثي ناصف يخفي الجريمة
ويجيب "المهدوي" عن السؤال: "الإجابة لدينا وداخل الملفات السرية للغاية هي أن السادات استخدم محمد الليثي ناصف قائد سلاح الحرس الجمهوري الذي سبق له الاستعانة به في اعتقال كل رجال عبدالناصر في التخلص من جثة عبدالناصر لإخفاء دليل إدانته، فدبر الليثي ناصف عملية كسر إحدى مواسير صرف المجاري كي تصب مياهها العفنة داخل مقبرة عبدالناصر بالمسجد الذي يحمل اسمه والمجاور لوزارة الدفاع في حي كوبري القبة القاهري، حتى أصبحت رائحة المقبرة العفنة محل استياء البعض وتندر البعض الآخر داخل مصر وخارجها، فقاد الليثي ناصف عملية فتح المقبرة وشفط مياه المجاري بالمواتير المخصصة لذلك وتفريغها بالشبكة العامة للصرف الصحي في القاهرة، على أن ينقل جثمان عبدالناصر فور اكتمال الشفط إلى مكان آمن مؤقت لحين تصليح الكسر وتجفيف المقبرة فيعيده داخلها، لكن الليثي ناصف أعلن آنذاك اختفاء الجثمان"
ويوضح "المهدوي" ملابسات ذلك الاختفاء قائلا: "تم تفسيره بأحد احتمالين أو كليهما معاً وهما أن تكون مياه المجاري قد سحبته معها إلى الشبكة العامة للصرف الصحي بالقاهرة أو أن تكون مواتير الشفط قد شفطته مع مياه المجاري التي شفطتها وفرغتها في الشبكة العامة للصرف الصحي بالقاهرة، ليقرر السادات إعادة إغلاق المقبرة بدون جثمان وبدون إعلان للرأي العام مع إغلاق ملف اختفاء الجثمان باعتباره سري للغاية ويتنفس الصعداء عقب القضاء على دليل إدانته بمعرفة مرؤوسه الليثي ناصف الذي أصبح يجب التخلص منه".
التخلص من الليثي ناصف وهيكل
وحول التخلص من الليثي ماصف، أوضح المهدوي أن السادات قام بترقية ناصف إلى رتبة فريق وتعيينه كبير ياوران رئاسة الجمهورية على درجة وزير في شهر نوفمبر سنة 1972 ثم سفير مصر باليونان في شهر أغسطس سنة 1973، فغادر ناصف القاهرة متوجهاً إلى العاصمة اليونانية أثينا كي يستلم عمله مروراً بالعاصمة البريطانية لندن التي قرر البقاء فيها عدة أيام لإجراء فحوصات طبية، حيث تمت استضافته مجاناً داخل بيت "آمن" تابع للأجهزة الأمنية المصرية يقع بالطابق الحادي عشر لبرج ستيوارت في منطقة مايدا فالي اللندنية، إلا أنه بمجرد وصوله إلى هناك تم قتله عبر إلقائه من شرفة البيت "الآمن" ثم جرى تقييد الجريمة ضد مجهول رغم وضوح الاتهامات التي وجهتها زوجته آنذاك وابنتاه لاحقاً إلى السادات بقتله.
ويختم مقاله قائلا: "وهكذا استطاع السادات بمجرد إغلاق الملف الجنائي البريطاني لمقتل ناصف عقب مرور خمسة شهور على ارتكاب جريمة قتله أن يتخلص فوراً من تهديد هيكل، وهو مطمأن إلى أن هيكل كمحترف معلوماتي سوف يضطر إلى الصمت لأنه لن يجد أية أدلة أو شواهد أو بينات على واقعة فنجان القهوة المسمومة الذي أعده وقدمه السادات إلى عبدالناصر!!.".